الشراب الثالث الذي أشارت إليه الآية الكريمة هو «الشراب الطهور» وساقيه هو اللَّه تبارك
وتعالى، وهو يبعث على تطهير الجسم والروح من كافة الأدران والكدورات (وهذا شراب
خاص للأبرار والمحسنين كالنوعين السابقين) بعكس خمر الدنيا الذي هو نجس وينجس
الروح والبدن.
ويعتقد بعض المفسرين أنّ هذا الشراب يسقى بعد تناول الأغذية (فاذا أكل
[الإنسان] ماشاء سقي شراباً طهوراً فيطهر بطنه ويصير ماأكل رشحاً يخرج من جلده
أطيب ريحاً من المسك)، لقد ذكر الفخر الرازي هذا التفسير كرواية.
وقال صاحب تفسير الميزان: « (وسقاهم..) أيبالغاً في التطهير لا يدع قذارة
إلّاأزالها ومن القذارة قذارة الغفلة عن اللَّه سبحانه وتعالى والاحتجاب عن
التوجُّه إليه فهم غير محجوبين عن ربّهم» [1].
وورد في تفسير «منهج الصادقين» نقلا عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا شرب المؤمن الشراب الطهور نسي ما سوى اللَّه وانقطع
إليه بالكامل»[2].
وذكرت سورة المطففين ضمن عرضها للنعم الإلهيّة التي وعدها اللَّه سبحانه
وتعالى للأبرار: «يُسقَونَ مِن رَّحِيقٍ
مَّختُومٍ» ثم قال: «خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِى ذلِكَ فَليَتَنَافَسِ
المُتَنَافِسُونَ» وفي الختام قال: «وَمِزَاجُهُ مِن تَسنِيمٍ* عَيناً يَشرَبُ بِها
المُقَرَّبُونَ».
(المطففين/ 25- 28)
كلمة (رحيق) على قول أغلب المفسرين هو الشراب الخالص من الغش والقذى (أي خمر صافية
خالصة من كل غش).
«مختوم»: ممنوع من أن تمسّه يد حتى يفك ختمه للأبرار، وهذا تأكيد آخر على خلوصه
وصفائه.
«ختامه مسك»: إشارة إلى الذي خُتم إناؤه بالمسك، ويستخدم الختم عادة للتأكد والاطمئنان من
عدم لمسه أو فتحه حيث يوضع الشي في إناء معين ويغلق غلقاً محكماً من