أمّا الوظيفة الثالثه للنبي صلى الله عليه و آله فهي أن يتحمل الجاهلين،
فتقول: «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ».
فالقادة والمبلغون يواجهون في مسيرهم أفراداً متعصبين جهلة يعانون من انحطاط
فكري وثقافي وغير متخلقين بالأخلاق الكريمة، فيرشقونهم بالتّهم، ويُسيؤون الظن بهم
ويحاربونهم.
فطريق معالجة هذه المعضلة لا يكون بمواجهة المشركين بالمثل، بل الطريق السليم
هو التحمل والجلد وعدم الإكثرات بمثل هذه الامور، والتجربة خير دليل على أنّ هذا
الاسلوب هو الاسلوب الأمثل لمعالجة الجهلة، وإطفاء النائرة، والقضاء على الحسد
والتعصب، وما إلى ذلك.
وفي
الآية التالية
دستور آخر، وهو يمثل الوظيفة الرابعة التي ينبغي على القادة والمبلغين أن
يتحملوها، وهي أن لا يدعوا سبيلًا للشيطان إليهم، سواء كان متمثلًا بالمال أم
الجاه أم المقام وما إلى ذلك، وأن يردعوا الشياطين أو المتشيطنين ووساوسهم، لئلا
ينحرفوا عن أهدافهم. فالقرآن يقول: «وَإِمَّا
يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطنِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ».
وفي
الآية التالية
بيان للإنتصار على وساوس الشيطان بهذا النحو: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طئِفٌ مِنَ
الشَّيْطنِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ». أي يتذكرون ما أنعم اللَّه عليهم، ويفكرون في سوء عاقبة الذنب وعذاب الاخرة
فيتّضح لهم بذلك طريق الحق.
والطائف: هو الذي يطوف ويدور حول الشيء، فكأنّ وساوس الشيطان تدور حول فكر الإنسان
وروحه كالطائف حول الشيء ليجد منفذاً إليه.
وأساساً فإنّ كل إنسان في أية مرحلة من الإيمان، أو أيّ عمر كان، يُبتلى
بوساوس الشياطين. وربّما أحس أحياناً أنّ في داخله قوة مهيمنة تدفعه نحو الذنب
وتدعوه إليه، ولا شك أنّ مثل هذه الحالة من الوساوس في مرحلة الشباب أكثر منها في
أيّة مرحلة اخرى، ولا سيما إذا كانت البيئة أو المحيط كما هو في العصر الحاضر من
التحلّل والحريّة، لا الحرية بمعناها الحقيقي، بل بما يذهب إليه الحمقى «من
الإنسلاخ من كل قيد والتزام أخلاقي أو اجتماعي أو ديني» فتزداد الوساوس الشيطانية
عندالشباب.
وطريق النجاة الوحيد من هذا التلوّث والتحلل في مثل هذه الظروف، هو تقوية رصيد
التقوى أولًا، كما أشارت إليه الآية: «إِنَّ
الَّذِينَ اتَّقَوْا» ثم المراقبة والتوجه نحو
النفس، والإلتجاء إلى اللَّه وتذكر ألطافه ونعمه وعقابه الصارم للمذنب.