لأنهم كانوا يدفنون موتاهم بطريقة خاصة، ويدفنون معهم أدوات عملهم، وبهذا يمكن
إثبات أنهم كانوا يعتقدون بوجود العالم الآخر». [1]
ندرك أنَّ تلك الأقوام قد تقبلوا فكرة وجود عالم آخر بعد الموت، و إنَّ اخطئوا
السبيل اليه، ظناً منهم أنَّه لا يختلف بشيء عن عالمهم الاول، و أنَّ الأدوات
التي كانوا يستعملونها في الدنيا تنفعهم في العالم الآخر أيضاً.
3- محكمة (الضّمير) دليل آخر على فطرية المعاد
سبق أنَّ قلنا إننا نشعر بكل وضوح أنَّ هناك في داخلنا محكمة تنظر في اعمالنا
و اقوالنا، تثيبنا على الحسنة منها، فنحسّ على أثر ذلك بالراحة و الاطمئنان و
الهدوء النفسي و الفرح و النشاط ممّا لا يتأتى لقلم أنْ يصفه.
كما أنَّها تعاقبنا على السيئة منها، و على الأخص الذنوب الكبيرة، فعقابها
عليها يكون من الشدة و القسوة بحيث تحيل الحياة كالعلقم مرارة.
كثيراً ما لوحظ أن مجرمين بعد أنْ يرتكبوا جريمة كبرى، كالقتل، و يفلتون من
قبضة العدالة، يعودون و يسلمون أنفسهم الى المحكمة، و يصعدون المشانق طوعاً،
قائلين إنَّهم يريدون الخلاص من عذاب الضمير.
عند ما يمعن المرء فكره في هذه المحكمة الباطنية ينتابه العجب: كيف يمكن أنْ
يوجد في داخلي مثل هذه المحكمة، و أنا هذا الكائن الصغير، و لا توجد في عالم
الخليقة العظيم محكمة تتناسب معه؟