هكذا حال المسيئين، فهم يرون انعتاق أرواحهم من هذا السجن الضيق مقدمة لتحمل
أنواع العذاب القاسي بسبب ما ارتكبوه من أعمال قبيحة و من ظلم و جور و فساد، و لذلك
فهم يخافون الموت.
أمَّا الذين لا يرون في الموت «فناء»، و لا يرون صحف أعمالهم سوداء، فما الذي يحملهم على الخوف
من الموت؟
إنَّهم، بالطبع، يريدون هذه الحياة بكل شوق و يرغبون فيها، لكي يجعلونها في
خدمة حياتهم الجديدة بعد الموت، و يعدوا أنفسهم لاستقبال الموت الذي يكون فيه رضا
اللَّه، و هذا الهدف هو مدعاة يجعلونها في خدمة للافتخار و الاعتزاز.
نظرتان مختلفتان
قلنا إنَّ النّاس فريقان: فريق، و هم الأكثرية، يخافون الموت و يهربون منه.
و فريق آخر يستقبلون الموت، الذي يكون في سبيل هدف عظيم، كالشهادة في سبيل
اللَّه، بقلوب رحبة، أو أنَّهم، على الأقل، إذا أحسوا بدنو الموت لا يداخلهم همّ و
لا غمّ أبداً.
و السبب هو أنَّ كلًا منهما يختلفان في النظرة.
الفريق الاوّل: إمّا أنَّ يكونوا من الذين
لا يؤمنون بوجود عالم بعد الموت، و إمّا أنَّهم لا يصدقون بوجوده كل التصديق، و
لذلك ينظرون الى لحظة الموت و كأنَّها لحظة فراقهم لكل شيء. إنَّ مفارقة كل شيء
و الخروج من النور الى الظلام المطلق أمر صعب اليم، كحال من يخرجونه من السجن
ليقدموه