ممّا يلفت النظر أنَّ القرآن الكريم أكد بلهجة قوية على منكريه للنزول الى
ميدان المواجهة، مستعملًا تعبيرات مهيجة و مثيرة، لكيلا يبقى عذر لأحد، و قد
استعمل تعبيرات مثل إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ* و فَإِنْ
لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا و لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
ظَهِيراً و فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ و فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ.
هذا من جهة، و من جهة اخرى لم يكن الصّراع بين الرّسول الكريم صلى الله عليه
و آله و الكفار صراعاً سهلًا، إذ أنَّ الاسلام لم يكن تهديداً لديانتهم و
معتقداتهم المتأصلة في نفوسهم، فحسب، بل كان خطراً على مصالحهم الاقتصادية و
السياسية و حتى على كيانهم.
و بعبارة اخرى، كان انتصار الاسلام يحيل حياتهم كلّها الى ركام، لذلك لم يكن
أمامهم سوى النزول الى ميدان الصراع بكل ما لديهم من قوّة.
و لكي يجردوا نبيّ الاسلام صلى الله عليه و آله من أقوى سلاح جاء به، كان
عليهم أنْ يأتوا- بأي ثمن كان- ببضع آيات مثل آيات القرآن لكيلا يتحداهم به بعد
ذلك و يصفهم بالعجز أمام هذا الدليل القوي على صدقه و أحقّيته.
فجمعوا لذلك فصحاء العرب و بلغاءهم و لكنهم كلما دخلوا الميدان باءوا بهزيمة
منكرة و نكصوا على أعقابهم هاربين. و قد جاءت تفاصيل ذلك في كتب التاريخ.
حكاية الوليد بن المغيرة
من بين الذين دعوا لمواجهة تحدي القرآن كان الوليد بن المغيرة من بني مخزوم، و
كان معروفاً بين العرب بفكره الصائب و حسن تدبيره، فطلبوا منه أنْ