و أمّا من جانب آخر ففي مقابل طريقة تفكير ذوي الآراء المفرطة التي لا تقبل
ليناً ولا تنازلًا، نجد منطق المسامحين بشكل مفرط والذين يرون أنّ التوبة تتلخص
باللفظ فقط، وهذا أمر عجيب، فانّ التوبة حالة وليست كلمة، ثورة تغييرية أساسية
وذاتية، وليست توبة مقطعية غير ثابتة سرعان ما يتم نقضها!
و مع أنّه لا يمكن استيعاب البحوث الواسعة جدّاً المتعلقة بالتوبة في هذه
المقدمة القصيرة إلّاأنّه من الضروري ملاحظة أنّ التوبة شأنها شأن كل ثورة أخرى
تبدأ من الوعي والتفكير الصحيحين، وتنتهي إلى تدارك ما بدر في السابق وإعادة بنائة
في جميع المجالات، فالتوبة بدون هذا التفادي كتخريب بناء خرب ومعرض لخطر الانهيار
دون إعادة إعماره، ولهذا السبب نجد في القرآن المجيد مجيء كلمة «أصلحوا» بعد
«تابوا» مرات عديدة.
نترك هذه المقدمة ونتوجه إلى توبة المرابين:
إنّ المرابي الذي يقف على الأضرار الكبيرة والمهلكة التي يسببها عمله، ومستعد
لترك هذا الذنب الكبير وهذه الحرب مع اللَّه ومع خلقه، عليه أن يعمل على معالجة
الجراح الرهيبة التي كبدها في جسم المجتمع الذي يعيش فيه والفطرة التي وهبها
اللَّه له.
و المرهم الشافي الأوّل هو إعادة جميع الفوائد الغير مشروعة إلى أصحابها (كما
جاء في السابق)، ولهذا السبب يقول القرآن بصريح العبارة «و إن تُبتُم فَلَكُم رُؤُوسُ أموالِكُم»[1].