لا شكّ في أن الغناء كان مشتملًا غالباً في تلك الأعصار و في كلّ عصر على
محرّمات كثيرة مضافاً إلى هذا العنوان أهمها: كونها من الجواري اللاتي يحرم استماع
صوتهن قطعاً بهذه الكيفية، فإذا لم يرضَ الشارع «خضوعهن في القول» فكيف يرضى بمثل
ذلك؟! و كذا الضرب بآلات اللهو، و اشتمالها على وصف ما يحرم، أو يوجب الفساد في
القلوب. و مخالطة الرجال بالنساء إلى غير ذلك من المحرّمات.
و لا أقل أن هذه الأربعة ممّا كانت من المقارنات الغالبة بل و قد تزيد عليها
أمور أخرى أحياناً كشرب الخمور، و مزاولة الغلمان، و غيرهما، و لا يزال المترفون و
الجبارون و أهل المعاصي يتعاطونها بهذه الكيفية، فهل هي ناظرة إلى هذا الفرد
الشائع الغالب المقارن للمحرّمات، أو نفس عنوان الغناء مجرّداً عنها محرّمة؟
ظاهر ما عرفت من الإطلاقات حرمة الغناء بعنوانه، و لو خلا عن جميع ما ذكر إلّا
أن يدلّ دليل على خلافه.
و غاية ما استدلّ به أو يمكن الاستدلال له أمور:
الأوّل [نظر روايات حرمة الغناء الى اختلاط الرجال بالنساء]
ما ذكره في الوافي (و قد أشرنا إليه آنفاً) من أن الذي يظهر من مجموع روايات
الغناء أنها ناظرة إلى ما كان متعارفاً في زمن بني أمية و بني العباس من اختلاط
الرجال بالنساء، و تكلمهن بالأباطيل، و لعبهن بالملاهي، و أمّا غير ذلك فلا محذور
فيه فلا بأس بسماع الغناء بما يتضمن ذكر الجنّة و النار و التشويق إلى دار القرار و
الترغيب إلى الله و إلى طاعته. (انتهى ملخصاً) [1].
[1] الوافي: ج 3 ص 35 باب ما جاء في
الغناء من أبواب وجوه المكاسب.