اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ ذلك مختصّ بما إذا لم تكن هناك منفعة محلّلة، و
المفروض وجودها في المقام، فتكون محترمة، فيجوز بيعها، و هذا كحرمة بيع الدم في
السابق و جوازه في عصرنا الحاضر؛ و ذلك لما فيه من المنافع المقصودة كإنقاذ المرضى
و المجروحين، فتأمّل.
و أمّا الجهة الثانية: فإنّ ظاهر إطلاقات الدية
فيما مرّ ذكر من الأخبار هو تعلّقها بالتشريح.
و لكن لقائل أن يقول: إنّ الدية فرع الجناية الفعلية أو الحكمية، و إذا وجب
التشريح لكونه مقدّمة لنجاة نفوس المسلمين فلا تتعلّق به الدية.
و إن شئت قلت: ظاهر الإطلاقات الواردة في أبواب الديات منصرفة عن محل الكلام،
أعني ما وجب بحكم الشارع المقدّس، كما أنّ القصاص بالحقّ لا يوجب الدية، و أي فرق
بين ما وجب أو جاز بالعنوان الأوّلي أو الثانوي؟! و لذا لم يرد وجوب الدية في
مسألة شق بطن المرأة الميّتة لإخراج الولد الحيّ، إذ لو وجب لصرّح به في النصّ، و
لم نرَ من أفتى بوجوبها فيه [1].
إن قلت: هل هذا إلّا كالأكل في المخمصة، و كالأكل من مال الناس عند الضرورة،
حيث حكموا بالجواز مع الضمان؟
قلت: الفرق بين المسألتين ظاهر، فإنّ الإتلاف يختلف عن الدية؛ لأنّ مورد
الإتلاف إنّما هو في الأموال، و ليست أعضاء الحرّ من الأموال؛ لأنّ المدار فيها
على الجناية، بل و كذا مع عدمها، كمن لطم وجه غيره فاحمرّ، فإنّ فيه الدية.
[1] راجع الوسائل: ج 2 ص 763 ب 46 من
أبواب الاحتضار، و فيه روايات ثمان، اثنتان منها مشتركتان مع الباقي، فيكون عددها
ست روايات عن ستّة رواة، هم: ابن أبي عمير، علي بن يقطين، وهب بن وهب، علي بن أبي
حمزة، ابن أذينة، محمّد بن مسلم.