جانبه يفاض على النفوس المستعدّة والقلوب المطهّرة بالأعمال الصالحة، كما أنّ
الضلالة عبارة عن قطع الفيض والاستعداد والتوفيق عن النفوس غير المساعدة وذلك بسبب
الأعمال السيّئة والنيّات الخبيثة الصادرة عنهم، فهذه الآيات مضافاً إلى أنّها غير
دالّة على مذهب الجبر، ظاهرة بل كالصريحة في مذهب الاختيار، لأنّها بعد ضمّ بعضها
إلى بعض تدلّ على أنّ الهداية والضلالة ناشئتان من الإنسان نفسه وإن كان ذلك
بتسبيب إلهي من باب أنّ الأسباب تستمد قوتها من ساحته المقدّسة، ومن هنا تنسب
المسبّبات إليه تعالى أيضاً حقيقة.
الآيات الدالّة بصراحتها على نفي الجبر:
ثمّ إنّ هناك آيات كثيرة تدلّ على الاختيار بصراحتها أو ظهورها، وهي على طوائف
عديدة:
الطائفة الاولى: ما ينطق بمذهب الاختيار
بالصراحة: نحو قوله تعالى «إِنَّا
هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً»[1] فإنّه يدلّ بوضوح على الاختيار خصوصاً بملاحظة
ما قبله من الآية: «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ
نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً»[2] (والمشيج بمعنى
الخليط) فإنّه يستفاد منه أنّ الإنسان بحسب الفطرة مخلوط ومعجون من أسباب الهداية
والضلالة ولذلك يكون في موقف الابتلاء والامتحان بإرائة الطريق وهداية السبيل، فهو
إمّا يشكر فيهتدي، وإمّا يكفر فيضلّ. وهو مجموع ما يستفاد من الآيتين، ونحو قوله
تعالى: «وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ
شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ»[3].