في الآيات السابقة رأينا كيف أنّ المشركين أرادوا من خلال مكائدهم المختلفة أن
يحرفوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الطريق المستقيم، لكن اللّه
أنجاه بلطفه له و رعايته إيّاه، و بذلك فشلت خطط المشركين.
بعد تلك الأحداث، و طبقا للآيات التي بين أيدينا، وضع المشركون خطّة أخرى
للقضاء على دعوة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذه الخطّة تقضي بإبعاد
الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن مسقط رأسه (مكّة) إلى مكان آخر قد يكون
مجهولا و بعيدا عن الأنظار. إلّا أنّ هذه الخطّة فشلت أيضا بلطف اللّه أيضا.
و بما أنّ كلمة «يستفزونك» مشتقة من «استفزاز» التي تأتي في بعض الأحيان بمعنى
قطع الجذور، و في أحيان أخرى بمعنى الإثارة مع السرعة و المهارة، فإنّنا نفهم من
ذلك أنّ المشركين وضعوا خطّة محكمة تجعل الوسط المحيط بالرّسول صلّى اللّه عليه و
آله و سلّم غير مناسب له، و تثير عامّة الناس ضدّه كي يخرجوه بسهولة من مكّة. لكن
هؤلاء لا يعرفون أنّ هناك قوّة أعظم من قوّتهم، و هي قوّة الخالق الكبير حيث
تتلاشى إرادتهم دون إرادته عزّ و جلّ.
ثمّ يحذّرهم القرآن بعد ذلك بقوله: وَ
إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا فهؤلاء سيبادون بسرعة بسبب ذنبهم العظيم في إخراج القائد الكفوء- الذي تذهب
نفسه حسرات على العباد- من البلد، إذ يعتبر ذلك أوضح مداليل كفران النعمة، و مثل
هؤلاء القوم لا يستحقون الحياة و يستحقون العذاب الإلهي.
إنّ هذا الأمر لا يخص مشركي العرب و حسب، بل هو سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَ
لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا. و هذه السنة
تنبع من منطق واضح،