على هذه النعمة الكبيرة، و يتوجه إلى مناجاة اللّه أكثر فأكثر.
إن هذه آية واضحة على أن إنسانا يمتلك لسانا سليما، و قدرة على كل نوع من
المناجاة مع اللّه، و مع ذلك لا تكون له القدرة على التحدث أمام الناس! بعد هذه
البشارة و الآية الواضحة، خرج زكريا من محراب عبادته إلى الناس، فكلّمهم بالإشارة: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى
إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا لأنّ النعمة الكبيرة التي منّ اللّه بها على زكريا قد أخذت بأطراف القوم، و
كان لها تأثير على مصير و مستقبل كل هؤلاء، و لهذا فقد كان من المناسب أن يهبّ
الجميع لشكر اللّه بتسبيحه و مدحه و ثنائه.
و إذا تجاوزنا ذلك، فإنّ بإمكان هذه الموهبة التي تعتبر إعجازا أن تحكّم أسس
الإيمان في قلوب الناس، و كانت هذه أيضا موهبة أخرى.
بحثان
1- يحيى عليه السّلام النّبي المتألّه الورع
لقد ورد اسم «يحيى» في القرآن الكريم خمس مرات- في سور آل عمران، و الأنعام، و
مريم، و الأنبياء- فهو واحد من أنبياء اللّه الكبار، و من جملة امتيازاته و
مختصاته أنّه وصل إلى مقام النّبوة في مرحلة الطفولة، فإنّ اللّه سبحانه قد أعطاه
عقلا و ذكاء وقّادا و دراية واسعة في هذا العمر بحيث أصبح مؤهلا لتقبل هذا المنصب.
و من خصائص هذا النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التي أشار إليها القرآن
في الآية (39) من سورة آل عمران، وصفه بالحصور، كما قلنا في ذيل تلك الآية، فإنّ
«الحصور» من مادة الحصر، بمعنى وقوع الشخص في المحاصرة، و هي تعني هنا- طبقا لبعض
الرّوايات- الامتناع عن الزواج.