نعم، لقد ذهب موسى و صاحبه و ركبا السفينة: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ.
من الآن فصاعدا نرى القرآن يستخدم ضمير المثنّى في جميع الموارد، و الضمير
إشارة إلى موسى و العالم الرّباني، و هذه إشارة إلى انتهاء مهمّة صاحب موسى عليه
السّلام (يوشع) و رجوعه، أو أنّه لم يكن معنيا بالحوادث بالرغم من أنّه قد حضرها
جميعا. إلّا أنّ الاحتمال الأوّل هو الأقوى.
عند ما ركبا السفينة قام العالم بثقبها: «خرقها».
«خرق» كما يقول الراغب في المفردات:
الخرق، قطع الشيء على سبيل الإفساد بلا تدبّر و لا تفكر حيث كان ظاهر عمل الرجل
العالم على هذا المنوال.
و بحكم كون موسى عليه السّلام نبيّا إلهيا كبيرا فقد كان من جانب يرى أن من
واجبه الحفاظ على أرواح و أموال الناس، و أن يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر، و من
جانب آخر كان وجدانه الإنساني يضغط عليه و لا يدعه يسكت أمام أعمال الرجل العالم
التي يبدو ظاهرها سيئا قبيحا، لذا فقد نسي العهد الذي قطعه للخضر (العالم) فاعترض
و قال: قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً.
لا ريب إنّ هدف العالم (الخضر) لم يكن إغراق من في السفينة، و لكنّ النتيجة
النهائية لخرق السفينة لم يكن سوى غرق من في السفينة، لذا فقد استخدم موسى عليه
السّلام (اللام الغائية) لبيان الهدف.
مثل ذلك ما نقوله للشخص الذي يأكل كثيرا، عند ما نقول له: أ تريد أن تقتل
نفسك؟! بالطبع مثل هذا لا يريد قتل نفسه بكثرة الطعام، إلّا أنّ نتيجة عمله قد
تكون هكذا.