هذه القصّة التأريخية العجبية التي يذكرها القرآن خالية من أي خرافة أو وضع، و
فيها العديد من الدروس التربوية البنّاءة، تماما كما في قصص القرآن الأخرى، و إذا
كنّا قد أشرنا إلى هذه الدروس ضمن تفسير الآيات، فإنّنا نرى من الضروري الآن أن
نشير إليها بشكل مجمل حتى نقترب أكثر من الهدف الأساس للقرآن، و فيما يلي أبرز هذه
الدروس:
أ: إنّ أول دروس هذه القصّة هو تحطيم حاجز التقليد، و الابتعاد عن التلوّن
بلون المجتمع الفاسد. فهؤلاء الفتية حافظوا- كما لا حظنا- على استقلالهم الفكري في
قبال الأكثرية المنحرفة المحيطة بهم، و هذا الأمر أصبح سببا في نجاتهم و تحرّرهم.
و ينبغي للإنسان أن يكون له تأثير بناء على مجتمعه لا أن يكون مسايرا له.
ب: الهجرة من الأوساط المنحرفة درس آخر في هذه القصّة ذات العبر، فهم قد تركوا
بيوتهم و حياتهم المرفّهة المليئة بألوان النعم المادية، و تركوا مناصبهم، و رضوا
بأنواع الصعوبات و أشكال الحرمان- في الغار الذي كان يفتقد كل شيء- لكي يحفظوا
إيمانهم، و لا يكونوا من عوامل و أعوان جهاز الظلم و الجور و الكفر و الشرك [1].
ج: التقية بمعناها البنّاء درس آخر نستفيده من هذه القصّة، لقد كانوا يصرون
على عدم اطّلاع أهل المدينة على حالهم و خبرهم، و احتاطوا ليبقى أمرهم و حالهم
مخفيا، حتى لا يخسروا أنفسهم بدون سبب، و كي يتجنبوا أن يجبروا
[1]- من أجل المزيد من التفاصيل حول
مسألة الهجرة و فلسفتها في الإسلام يمكن مراجعة ما جاء في تفسير الآية (100) من
سورة النساء من تفسيرنا هذا.