نرى أنّ الشيء الموجود في الخارج هو الفيلم و الخارطة الصغيرة، إلّا أنّه في
صورنا و إدراكاتنا الذهنية تكون الصور بمقدار وجودها الخارجي، و لا بدّ بالتالي من
مكان يستوعبها، فهل يمكن للخلايا الدماغية و هي بمساحتها و حجمها المعروف أن
تستوعب كل هذه الأحجام العظيمة؟
و خلاصة القول: إنّنا نتصوّر الصور الذهنية للأشياء بنفس أحجامها وسعتها في
موضوعاتها الخارجية، و هذا التصوّر العظيم لا يمكن أن ينعكس في الخلايا الدماغية،
لذلك فهي تحتاج إلى مكان و محل خاص، و هكذا ندرك أن فينا وجودا حقيقيا أكبر من هذه
الخلايا و فوقها جميعا.
رابعا: عدم تشابه الظواهر الروحية مع الأوضاع المادية
هناك دليل آخر على استقلال الروح و عدم ماديتها، ففي الظواهر الروحية نشاهد
خواصا و أوضاعا معينة تختلف عن الخواص و الأوضاع المادية، و ليس ثمّة تشابه
بينهما. و مثال ذلك ما يلي:
1- الموجودات المادية تحتاج إلى الزمان و لها بعد تدريجي.
2- بمرور الزمن تبلى هذه الموجودات المادية.
3- من صفاتها أنّها قابلة للتقسيم إلى أجزاء متعدّدة.
و لكن الظواهر الذهنية ليست لها هذه الآثار و الخواص، حيث أنّنا نستطيع أن
نتصوّر عالما كعالمنا الحالي في ذهننا دون الحاجة إلى مرور الزمن و التدرّج.
و إضافة إلى ذلك، فإنّ اللقطات الموجودة في الذهن منذ عهد الطفولة لا تصبح
قديمة و لا تستهلك أو تبلى بمرور الزمن، بل تحتفظ بنفس شكلها، و يمكن أن يستهلك
دماغ الإنسان، إلّا أنّ صورة البيت المتجسّدة في الدماغ منذ عشرين عامّا ثابتة فيه
لا تتغيّر و لا تستهلك و لها نوع من الثبات الذي هو صفة عالم ما وراء الطبيعة.