البعض يتصوّر أن الخلايا الدماغية لا تتغّير، و يقولون: لقد قرأنا في الكتب
الفسيولوجية أنّ عدد الخلايا الدماغية واحد و ثابت منذ البداية و حتى نهاية العمر،
و هي لا تزيد و لا تنقص و إنّما تكبر. لذلك إذا أصيبت بخلل فلن تكون قابلة للعلاج.
و على هذا الأساس فإنّنا نملك وحدة ثابتة في مجموع بدننا، هذه الوحدة هي الخلايا
الدماغية التي تحفظ لنا وحدة شخصيتنا.
إنّ هذا الكلام- في الواقع- يمثل اشتباها كبيرا، فهو خلط بين مسألتين، إذ أن
ما أثبته العلم من ثبات عدد الخلايا الدماغية منذ البداية حتى النهاية و أنّها غير
قابلة للزيادة و النقصان، لا يعني أنّ الذرات المكوّنة لهذه الخلايا لا تتغيّر،
فكما قلنا: إنّ خلايا الجسم التي تأخذ الطعام و تطرد الذرات القديمة بالتدريج تكون
خاضعة للتغيير، مثلها في ذلك مثل ذلك الشخص الذي يأخذ المال من طرف و ينفقه من طرف
آخر، فهذا الشخص سيتغير رأس ماله بالتدريج، بالرغم من أن مقدار رأس المال لم
يتغيّر. و كذلك يمكن أن نذكّر بمثال ماء المسبح.
لذلك، يتبيّن أنّ الخلايا الدماغية ليست ثابتة، بل متغيّرة مثل سائر خلايا
الجسم.
ثالثا: عدم تطابق الكبير مع الصغير
افترضوا أنّنا جلسنا على ساحل البحر، و شاهدنا أمامنا عددا من الزوارق مع
باخرة كبيرة، ثمّ نظرنا إلى جانب الشمس فرأيناها تميل للغروب، بينما القمر بدأ
يبزغ من الجانب الآخر. و على الشاطئ هناك صفوف من طيور الماء الجميلة و قد اقترب
بعضها نحو الماء. و نشاهد على الطرف الآخر جبلا عظيما تناطح قمته السماء علوا. و
الآن، إزاء هذا المنظر، لنغمض عيوننا برهة من الزمن و نتخيل ما شاهدناه: جبل عظيم،
بحر واسع، سفينة كبيرة، كل هذه الأمور ترتسم في مخيلتنا