كان الكلام حتى الآن عن الماديين الذين يصرّون على أنّ الظواهر الروحية هي
افرازات لخلايا الدماغ، و يعتبرون الفكر و الإبداع و الحب و التنفر و الغضب و جميع
العلوم، مثل القضايا المادية التي تخضع لأسلوب العمل المختبري و تشملها قوانين
المادة، إلّا أنّ الفلاسفة الذي يعتقدون باستقلالية الروح ذكروا أدلة قاطعة على
نفي هذه العقيدة، منها:
أوّلا: ادراك الواقع الخارجي
إنّ أوّل سؤال يمكن أن نطرحه على الماديين، هو أنّه إذا كانت الأفكار و
الظواهر الروحية هي نفسها الخواص (الفيزيكيميائية) للدماغ، ففي مثل هذه الحالة
ينبغي أن تنعدم الخلافات و الفروق بين عمل الدماغ و بين عمل المعدة أو الكلية أو
الكبد، حيث أنّ عمل المعدة هو التركيب الأساس و مجموعة من الفعاليات الفيزيائية و
الكيميائية، إذ بواسطة نشاط معين و إفرازات حامضية تتم عملية هضم الطعام و يصبح
جاهزا للامتصاص من قبل الجسم. و إذا كان إفراز اللعاب عملا فيزيائيا و كيميائيا في
آن واحد، فإنّنا نرى أنّ العمل الروحي يختلف عن هذه الأعمال.
إن كل أعمال أجهزة الجسم لها تشابه بدرجة معينة مع بعضها البعض، ما عدا
(الدماغ) الذي له وضع استثنائي، إنّ أجهزة الجسم مرتبطة جميعا بجوانب داخلية، في
حين أنّ الظواهر الروحية لها جهة خارجية و تخبرنا عن الواقع الخارجي المحيط بنا.
و لأجل توضيح هذا الكلام يجب ذكر بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى: هل هناك عالم خارج وجودنا؟
من البديهي وجود مثل هذا العالم، أمّا المثاليين الذين ينكرون وجود العالم