و أمّا ما قلناه من أنّ المبادرة إلى مجابهة العدو الأقرب هي الأهم و الأوجب.
فإنّ أسبابه واضحة، و ذلك:
أوّلا: إنّ خطر العدو القريب أكبر و أشد من العدو البعيد.
ثانيا: إنّ اطلاعنا و علمنا بالعدو القريب أكثر، و هذا من العوامل المساعدة و
المقربة للنصر.
ثالثا: إنّ التوجه لمحاربة العدو البعيد لا يخلو من خطورة اضافية، فالعدو القريب
قد يستغل الفرصة و يحمل على الجيش من الخلف، أو يستغل خلو المقر الأصلي للإسلام
فيهجم عليه.
رابعا: إنّ الوسائل اللازمة و نفقات محاربة العدوّ القريب أقل و أبسط، و
التسلط على ساحة الحرب في ظل ذلك أسهل.
لهذه الأسباب و أسباب أخرى، فإنّ دفع العدو الأقرب هو الأوجب و الأهم.
و الجدير بالذكر أنّ هذه الآية لما نزلت كان الإسلام قد استولى على كل جزيرة
العرب تقريبا، و على هذا فإن أقرب عدو في ذلك اليوم ربّما كان أمبراطورية الروم
الشرقية التي توجه المسلمون إلى تبوك لمحاربتها.
و كذلك يجب أن لا ننسى أنّ هذه الآية بالرغم من أنّها تتحدث عن العمل المسلح و
البعد المكاني، إلّا أنّه ليس من المستبعد أن روح الآية حاكمة في الأعمال المنطقية
و الفواصل المعنوية، أي إنّ المسلمين عند ما يعزمون على المجابهة المنطقية و
الإعلامية و التبليغية يجب أن يبدؤوا بمن يكون أقرب إلى المجتمع الإسلامي و أشدّ
خطرا عليه، فمثلا في عصرنا الحاضر نرى أن خطر الإلحاد و المادية يهدد كل
المجتمعات، فيجب تقديم التصدّي لها على مواجهة المذاهب الباطلة الأخرى، و هذا لا
يعني نسيان هؤلاء، بل يجب إعطاء الأهمية القصوى للهجوم نحو الفئة الأخطر، و هكذا
في مواجهة الاستعمار الفكري و السياسي و الاقتصادي التي تحوز الدرجة الأولى من
الأهمية.