أشارت الآية في سياق احكام الجهاد التي ذكرت لحد الآن في هذه السورة- إلى
أمرين آخرين في هذا الموضوع الإسلامي المهم، فوجهت الخطاب أوّلا إلى المؤمنين و
قالت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا
الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ.
صحيح أنّه تجب محاربة الكفار جميعا، و لا فرق بينهم في ذلك، إلّا أنّه من
الوجهة التكتيكية و طريقة القتال يجب البدء بالعدو الأقرب، لأنّ خطر العدوّ القريب
أكبر، كما أنّ الدعوة للإسلام و هداية الناس إلى دين الحق يجب أن تبدأ من الأقرب،
و النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم قد بدأ بأمر اللّه سبحانه بدعوة أقاربه و
عشيرته، ثمّ دعا أهل مكّة. ثمّ جزيرة العرب و قام بإرسال الرسل إليها، و بعدها كتب
الرسائل إلى ملوك العالم، و لا شك أن هذا الأسلوب هو الأقرب للنجاح و الوصول إلى
الهدف.
و من الطبيعي أن لكل قانون استثناء، فقد يكون العدو الأبعد- في بعض الأحيان-
أشد خطرا من العدو القريب، و عندها تجب المبادرة إلى دفعه أوّلا، لكن، كما قلنا،
فإن هذا استثناء لا قانون ثابت و دائم.