تقصيرهم، إلّا أن النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم لم يكلمهم حتى بكلمة
واحدة، و أمر المسلمين أيضا أن لا يكلموهم.
لقد عاش هؤلاء محاصرة اجتماعية عجيبة و شديدة، حتى أنّ أطفالهم و نساءهم أتوا
إلى النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و طلبوا الإذن منه في أن يفارقوا هؤلاء
إلّا أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم لم يأذن لهم بالمفارقة، لكنّه أمرهم
أن لا يقتربوا منهم.
إنّ فضاء المدينة بوسعته قد ضاق على هؤلاء النفر، و اضطروا للتخلص من هذا الذل
و الفضيحة الكبيرة إلى ترك المدينة و الالتجاء إلى قمم الجبال.
و من المسائل التي أثرت تأثيرا روحيا شديدا، و أوجدت صدمة نفسية عنيفة لدى
هؤلاء ما رواه كعب بن مالك قال: كنت يوما جالسا في سوق المدينة و أنا مغموم، فتوجه
نحوي رجل مسيحي شامي، فلمّا عرفني سلمني رسالة من ملك الغساسنة كتب فيها: إذا كان
صاحبك قد طردك و أبعدك فالتحق بنا، فتغير حالي و قلت: الويل لي، لقد وصل أمري إلى
أن يطمع بي العدو! خلاصة الأمر: إنّ عوائل هؤلاء و أصدقاءهم كانوا يأتونهم
بالطعام، إلّا أنّهم لا يكلمونهم قط، و مضت مدّة على هذه الحال و هم يتجرعون ألم
الانتظار و الترقب في أن تنزل آية تبشرهم بقبول توبتهم، لكن دون جدوى في هذه
الأثناء خطرت على ذهن أحدهم فكرة و قال: إذا كان الناس قد قطعوا علاقتهم بنا و
اعتزلونا، فلما ذا لا يعتزل كل منا صاحبه، صحيح أنّنا مذنبون جميعا، لكن يحب أن لا
يفرح أحدنا لذنب الآخر. و بالفعل اعتزل بعضهم بعضا، و لم بتكلموا بكلمة واحدة، و
لم يجتمع اثنان منهم في مكان. و أخيرا ... و بعد خمسين يوما من التوبة و التضرع
إلى اللّه سبحانه و تعالى قبلت توبتهم و نزلت الآية في ذلك [1].
[1] مجمع البيان، و سفينة البحار، و
تفسير أبي الفتوح الرازي.