و لهذا فإنّ الآية الرّابعة من الآيات محل البحث تخاطب النّبي أن يدعو الأسرى
إلى الإيمان باللّه و إصلاح أنفسهم، و يرغبهم في كل ذلك، فتقول: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ
الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً
مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ.
و المراد من كلمة «خيرا» في الجملة آنفة الذكر إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً هو الإيمان و قبول الإسلام أمّا المراد من كلمة «خير» في
الجملة الأخرى «يؤتكم خيرا» فهو الثواب أو الأجر المادي و المعنوي الذي ينالونه
ببركة الإسلام، و هو أعظم عند اللّه من الفداء بمراتب كثيرة! ثمّ إضافة إلى ذلك
فسيشملكم لطف اللّه و يعفو عن سيئاتكم وَ
يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
و حيث إنّ من الممكن أن يستغل بعض الأسرى إظهار الإسلام ليسيء إلى الإسلام و
يخون النّبي و ينتقم من المسلمين، فإنّ الآية التالية تنذر النّبي و المسلمين و
تنذر أولئك من الخيانة فتقول: وَ إِنْ
يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ و أي خيانة أعظم من عدم الاستجابة لنداء الفطرة و العزوف عن نداء الحق و
العقل، و الشرك باللّه و عبادة الأصنام بدلا من الإيمان باللّه و توحيده؟ ثمّ إنّ
عليهم أن لا ينسوا نصرة اللّه لك فَأَمْكَنَ
مِنْهُمْ و إذا أرادوا الخيانة في المستقبل فلن يفلحوا
و سوف ينالون الخزي و الخسران و الهزيمة مرّة أخرى. لأنّ اللّه مطلع على نيّاتهم،
و جميع تعاليم الإسلام في شأن الأسرى وفق حكمته وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ و قد جاء في كتب الفريقين- الشيعة و أهل السنة- في ذيل الآيتين محل البحث أن
العباس عم النّبي كان بين أسرى بدر، فطلبت جماعة من الأنصار أن لا