العفو: قد يأتي بمعنى الزيادة في الشيء أحيانا، كما قد يأتي بمعنى الحدّ
الوسط، كما يأتي بمعنى قبول العذر و الصفح عن المخطئين و المسيئين، و تأتي أحيانا
بمعنى استسهال الأمور.
و القرائن الموجودة في الآية تدلّ على أنّ الآية محل البحث لا علاقة لها
بالمسائل المالية و أخذ المقدار الإضافي من أموال الناس، كما ذهب إليه بعض
المفسّرين، بل مفهومها المناسب هو استسهال الأمور، و الصفح، و اختيار الحدّ الوسط [1].
و من البديهي أنّه لو كان القائد أو المبلغ شخصا فظا صعبا، فإنّه سيفقد نفوذه
في قلوب الناس و يتفرقون عنه، كما قال القرآن الكريم: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ[2].
ثمّ تعقيب الآية بذكر الوظيفة الثّانية للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و
تأمره بأن يرشد الناس إلى حميد الأفعال التي يرتضيها العقل و يدعو إليها اللّه عزّ
و جل قائلة: وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ.
و هي تشير إلى أنّ ترك الشدّة لا يعني المجاملة، بل هو أن يقول القائد أو
المبلغ الحق، و يدعو الناس إلى الحق و لا يخفي شيئا.
أمّا الوظيفة الثّالثة للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهي أن يتحمل
الجاهلين، فتقول: وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ.
فالقادة و المبلغون يواجهون في مسيرهم أفرادا متعصّبين جهلة يعانون من انحطاط
فكري و ثقافي و غير متخلقين بالأخلاق الكريمة، فيرشقونهم بالتهم، و يسيئون الظن
بهم و يحاربونهم.
فطريق معالجة هذه المعضلة لا يكون بمواجهة المشركين بالمثل، بل
[1] لمزيد من التوضيح يراجع الجزء
الثّاني من التّفسير الأمثل في هذا الصدد.