إلى أهمية مكانته في بني إسرائيل. و لعله أراد بهذا الموضوع أن يوضح لبني
إسرائيل و يفهمهم أن عليهم أن يمتثلوا لتعاليم هارون و نصائحه و مواعظه الحكيمة، و
لا يستثقلوا أوامره و نواهيه، و لا يعتبروا تلك الأوامر و النواهي و كذلك قيادة
هارون لهم دليلا على قصرهم و صغرهم ... بل يفعلون كما يفعل هارون حيث كان رغم
منزلته البارزة و مقام نبوته تابعا و مطيعا لنصائح موسى عليه السلام.
4- ميقات واحد أو مواقيت متعددة؟
السؤال الرّابع الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل ذهب موسى إلى ميقات ربّه مرّة
واحدة، و هي هذه الأربعون يوما، و تلقى أحكام التوراة و شريعته السماوية عن طريق
الوحي في هذه الأربعين يوما، كما اصطحب معه جماعة من شخصيات بني إسرائيل معه
كممثلين عن قومه، ليشهدوا نزول أحكام التوراة عليه، و ليفهمهم أن اللّه لا يدرك
بالأبصار أبدا، في هذه الأربعين يوما نفسها؟
أم أنّه كانت له مع اللّه أربعينات متعددة، أحدها لأخذ الأحكام، و في الأخرى
اصطحب كبار قومه، و له- احتمالا- أربعون ثالثة لمقاصد و مآرب أخرى غير هذه، (كما
يستفاد من سفر الخروج من التوراة الفعلية الفصل 19 إلى 24).
و هنا أيضا وقع كلام بين المفسّرين، و لكن الذي يبدو أنّه أقرب إلى الذهن-
بملاحظة الآية المبحوثة و الآيات السابقة عليها و اللاحقة لها- أن جميع هذه الأمور
ترتبط بحادثة واحدة لا متعددة، لأنّه بغض النظر عن أن عبارة الآية اللاحقة وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا تناسب تماما وحدة هاتين القصّتين، فإنّ الآية (145) من نفس هذه السورة تفيد-
بجلاء- أن قصّة ألواح التوراة، و استلام أحكام هذه الشريعة قد تمّت جميعها في نفس
هذا السفر أيضا.