صحيح أنّ هذه الآية تحدّثت عن بني إسرائيل و نتيجة ثباتهم في وجه الفرعونيين
فقط، إلّا أنّه يستفاد من الآيات القرآنية الأخرى أن هذا الموضوع لا يختص بقوم أو
شعب خاص، بل إن كان شعب مستضعف نهض و حاول تخليص نفسه من مخالب الأسر و الاستعمار،
استعان في هذا السبيل بالثبات و الاستقامة، سوف ينتصر آخر المطاف و يحرر الأراضي
التي احتلها الظلمة الجائرون.
ثمّ يضيف في آخر الآية: نحن الذين دمرنا قصور فرعون و قومه العظيمة، و أبنيتهم
الجميلة الشامخة، و كذا بساتينهم و مزارعهم العظيمة وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ
ما كانُوا يَعْرِشُونَ.
و «صنع» كما يقول «الراغب» في «المفردات» يعني الأعمال الجميلة، و قد وردت هذه
اللفظة في الآية الحاضرة بمعنى الهندسة الجملية الرائعة التي كان يستخدمها
الفرعونيين في أبنيتهم.
و «ما يعرشون» في الأصل تعني الأشجار و البساتين التي تنصب بواسطة العروش و
السقف، و لها جمال عظيم و روعة باهرة.
و «دمرنا» من مادة «التدمير» بمعنى الإهلاك و الإبادة.
و هنا يطرح السؤال التالي و هو: كيف أبيدت هذه القصور و البساتين، و لماذا؟
و نقول في الجواب: لا يبعد أن ذلك حدث بسبب زلازل و طوفانات جديدة و أمّا
الضرورة التي قضت بهذا الفعل فهي أن جميع الفرعونيين لم يغرقوا في النيل، بل غرق
فرعون و جماعة من خواصّه و عسكره الذين كانوا يلاحقون موسى عليه السلام، و من
المسلّم أنّه لو بقيت تلك الثروات العظيمة، و الإمكانيات الاقتصادية الهائلة بيد
من بقي من الفراعنة الذين كان عدد نفوسهم في شتى نواحي مصر كثيرا جدا لاستعادوا
بها شوكتهم، و لقدروا على تحطيم بني إسرائيل، أو الحاق الأذى بهم على الأقل. أمّا
الإمكانيات و الوسائل فإن من شأنه أن يجردهم من أسباب الطغيان إلى الأبد.