الشرك و
التوجه إلى غير اللّه) يبدو للنظر أنّه أنسب مع ما سبق و ما يلحق هذه الجملة، و إن
لم تكن إرادة كل هذه المعاني بعيدة عن مفهوم الآية أيضا.
2- أقصر
الأدلة على المعاد
لقد بحث أمر
المعاد و البعث في يوم القيامة كثيرا، و يستفاد من آيات القرآن الكريم أنّ هضم هذه
المسألة كان أمرا صعبا و عسيرا بالنسبة إلى كثير من الناس في العصور الغابرة، إلى
درجة أنّهم كانوا يتخذون أحيانا من طرح مسألة القيامة و المعاد من قبل الأنبياء
دليلا على عدم صحة دعوتهم، و بل حتى (و العياذ باللّه) دليلا على الجنون و يقولون:
أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ[1].
و لكن يجب
الانتباه إلى أنّ ما كان يدعو لمزيد من تعجبهم و دهشتهم، هو مسألة المعاد
الجسماني، لأنّهم ما كانوا يصدّقون بأنّ الأبدان بعد صيرورتها ترابا، و تبعثر
ذراتها بفعل الرياح و الأعاصير و تناثرها في أرجاء الأرض. أن تجتمع هذه الذرات
المتبعثرة من بين أكوام التراب. و أمواج البحار، و من بين ثنايا ذرات الهواء، و
يلبس ذلك الإنسان لباس الوجود و الحياة مرّة أخرى.
إن القرآن
الكريم أجاب في آيات متنوعة على هذا الظن الخاطئ، و الآية الحاضرة تعكس إحدى أقصر
و أجمل التعابير في هذا المجال، إذ تقول: أنظروا إلى بداية الخلق، انظروا إلى
جسمكم الذي يتكون من مقدار كبير من الماء، و مقدار أقل من المواد المعدنية و شبه
المعدنية المختلفة المتنوعة أين كان في السابق؟ فالمياه المستخدمة في جسمكم يحتمل
أنّ كل قطرة منها كانت سادرة في محيط من محيطات الأرض ثمّ تبخّرت و تبدلت إلى
السّحب، ثمّ نزلت في شكل قطرات المطر على الأراضي، و الذرات التي استخدمت في نسيج
جسمكم من مواد الأرض الجامدة كانت ذات يوم في هيئة حبّة قمح أو ثمرة شجرة، أو
خضروات مختلفة جمعت من مختلف نقاط الأرض.