بالإضافة إلى الأضرار المادية، لأنّهم كانوا يتصورون أنّ طريق النجاة يتمثل في
الوثنية لا في دين شعيب.
و عند ما وصل أمرهم إلى الإصرار على ضلالتهم، و على إضلال غيرهم أيضا، و لم
يبق أي أمل في إيمانهم و هدايتهم، حلّت بهم العقوبة الإلهية بحكم قانون حسم مادة
الفساد، فأصابهم زلزال رهيب شديد بحيث تهاوى الجميع أجسادا ميّتة، في داخل بيوتهم
و منازلهم فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا
فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ.
و قد مرّ في ذيل الآية (78) من هذه السورة- تفسير لفظة «جاثمين» و قلنا هناك
أنّه قد استعملت عبارات و ألفاظ مختلفة للتعبير عن عامل هلاك هذه الجماعة لا
منافاة بينها.
فمثلا: جاء في شأن قوم شعيب- في الآية الحاضرة- أنّ عامل هلاكهم كان هو:
«الزلزال» و في الآية (94) من سورة هود أنّه «صيحة سماوية» و في الآية (189) من
سورة الشعراء: أنّه «ظلة من السحاب القاتل» و تعود كلها إلى موضوع واحد، و هو أنّ
العذاب المهلك كان صاعقة سماوية مخيفة، اندلعت من قلب السحب الكثيفة المظلمة، و
استهدفت مدينتهم، و على أثرها حدث زلزال شديد (هو خاصية الصواعق العظيمة) و دمّر
كل شيء.
في الآية اللاحقة شرح القرآن الكريم أبعاد هذا الزلزال العجيب المخيف الرهيب
بالعبارة التالية: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ
لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا[1]. أي أنّ الذين كذبوا شعيبا أبيدوا إبادة عجيبة، و كأنّهم لم يكونوا يسكنون
تلك الديار.
و في ختام الآية يقول: الَّذِينَ
كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ.
و كأنّ هاتين الجملتين جوابا لأقوال معارضي شعيب، لأنّهم كانوا قد هدّدوا بأن
يخرجوه هو و أتباعه في حالة عدم انصرافهم من دين التوحيد إلى الدين
[1] «يغنوا» مشقة من مادة «غني» بمعنى
«الإقامة في المكان» يقول الطبرسي في مجمع البيان: لا يبعد أن يكون المفهوم الأصلي
للغنى هو عدم الحاجة، لأنّ من كان عنده منزل حاضر، فهو مستغن عن منزل آخر.