الإنسان الذي أرخى عنان نفسه تجاه وساوس الشيطان لا تكفيه قراءة هذه السّورة و
لا تكرار ألفاظ الاستعاذة باللسان.
على المستعيذ الحقيقي أن يقرن قوله «ربّ النّاس» بالاعتراف بربوبية اللّه
تعالى، و بالانضواء تحت تربيته؛ و أن يقرن قوله «ملك النّاس» بالخضوع لمالكيته، و
بالطاعة التامة لأوامره؛ و أن يقرن قوله: «إله النّاس» بالسير على طريق عبوديته، و
تجنب عبادة غيره.
و من كان مؤمنا بهذه الصفات الثلاث؛ و جعل سلوكه منطلقا من هذا الإيمان فهو
دون شك سيكون في مأمن من شرّ الموسوسين.
هذه الأوصاف الثلاثة تشكل في الواقع ثلاثة دروس تربوية هامّة ... ثلاث سبل
وقاية ... و ثلاث طرق نجاة من شرّ الموسوسين، إنّها تؤمن على مسيرة الإنسان من
الأخطار.
كلمة «الوسواس» أصلها- كما يقول الراغب في المفردات- صوت الحلي (اصطكاك حلية
بحلية). ثمّ اطلق على أي صوت خافت. ثمّ على ما يخطر في القلب من أفكار و تصورات
سيئة، لأنّها تشبه الصوت الباهت الذي يوشوش في الأذن.
«الوسواس»: مصدر، و يأتي بمعنى اسم
الفاعل بمعنى الموسوس، و هي في الآية بهذا المعنى.
«الخنّاس» صيغة مبالغة من الخنوس و هو
التراجع، لأنّ الشياطين تتراجع عند ذكر اسم اللّه؛ و الخنوس له معنى الاختفاء
أيضا، لأن التراجع يعقبه الاختفاء عادة.
فقوله سبحانه: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ أي أعوذ باللّه من شرّ الموسوس ذي الصفة الشيطانية الذي
يهرب و يختفي من ذكر اسم اللّه.