و المهم في الليل- على أي حال- هدوؤه و سكينته ممّا يضفي على روح الإنسان و
أعصابه هدوء و ارتياحا، و يعدّه لممارسة نشاط يوم غد، و هو لذلك نعمة مهمّة استحقت
القسم بها.
بين القسمين و محتوى السّورة تشابه كبير و ارتباط وثيق. النهار مثل نزول نور
الوحي على قلب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الليل كانقطاع الوحي
المؤقت، و هو أيضا ضروري في بعض المقاطع الزمنية.
و بعد القسمين، يأتي جواب القسم، فيقول سبحانه: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى.
«قلى» من «قلا»- على وزن صدا- و هو
شدّة البغض، و من القلو أيضا بمعنى الرّمي. و كلا المعنيين يعودان إلى أصل واحد-
في رأي الراغب الأصفهاني- فكأن المقلّو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله.
على أي حال، في هذا التعبير سكن لقلب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و
تسلّ له، ليعلم أن التأخير في نزول الوحي إنّما يحدث لمصلحة يعلمها اللّه تعالى، و
ليست- كما يقول الأعداء- لترك اللّه نبيّه أو لسخطه عليه. فهو مشمول دائما بلطف
اللّه و عنايته الخاصّة، و هو دائما في كنف حماية اللّه سبحانه.
وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى.
أنت في هذه الدنيا مشمول بالطاف اللّه تعالى، و في الآخرة أكثر و أفضل. أنت
آمن من غضب اللّه في الأمد القريب و البعيد. و باختصار أنت عزيز في الدنيا و
الآخرة ... في الدنيا عزيز و في الآخرة أعزّ ...
قيل إن «الآخرة» و «الأولى» يشيران إلى بداية عمر النبيّ صلّى اللّه عليه و
آله و سلّم و نهايته، أي إنّك ستستقبل في عمرك نصرا و نجاحا أكثر ممّا استدبرت. و
في ذلك إشارة إلى اتساع رقعة انتشار الإسلام و انتصارات المسلمين المتلاحقة على
الأعداء،