فلا ينطلق قدما إلى الأمام، بل يعلّق أمله- إلى جانب الأخذ بالأسباب- على
عناية اللّه و حمايته و لطفه و منّه.
و لا ريب أن مثل هذه الالتفاتة تهب للإنسان استقرار نفسيا عاليا، و طاقة روحية
فعالة، و معنوية تتضائل أمامها كلّ الصعاب و المشاق، و تتحطم عندها كلّ أمواج
المشكلات العاتية، أو تنزاح أمامها كلّ الأهوال (و سوف نشرح بإسهاب إن شاء اللّه
مسألة التوكل و كيفية العلاقة بينها و بين الاستفادة من وسائل العالم المادي في
ذيل قوله تعالى وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجاً[1].
ثمّ إنه سبحانه و تعالى يأمر المؤمنين في ختام الآية أن يتوكلوا على اللّه
فحسب لأنه تعالى يحب المتوكلين إذ يقول:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.
هذا و يستفاد من هذه الآية أن التوكل يجب أن يكون بعد التشاور، و بعد الأخذ و
الاستفادة من جميع الإمكانيات المتاحة للإنسان حتما.
نتيجة التوكل و ثمرته:
بعد أن يحث الباري سبحانه و تعالى عباده على أن يتوكلوا عليه، يبين في هذه
الآية- التي هي مكملة للآية السابقة- نتيجة التوكل و ثمرته و فائدته العظمى فيقول: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ
يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ و هو بهذا يشير إلى أن قدرة اللّه فوق كلّ القدرات، فإذا
أراد بعبد خيرا و أراد نصره و تأييده و الدفاع عنه لم يكن في مقدور أية قوة في
الأرض- مهما عظمت- أن تتغلب عليه، فمن كان- هكذا- منبع كلّ الانتصارات، وجب التوكل
عليه، و استمداد العون منه.
فهذه الآية تتضمن ترغيبا للمؤمنين بأن يتكلوا على اللّه و قدرته التي لا تقهر،