و في ذلك الوقت أخذت الهموم و الأحزان تترى عليكم فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ، لما أصابكم من النكسة و لفقدان مجموعة كبيرة من خيار فرسانكم و جنودكم و لما
أصاب جماعة منكم من الجراحات و الإصابات و لما بلغكم من شائعة قتل النبي صلى اللّه
عليه و آله و سلّم.
و لقد كان كلّ ذلك من نتائج مخالفتكم لأوامر القيادة النبوية، و تجاهلكم
لتأكيداتها بالمحافظة على المواقع المناطة لكم.
و لقد كان هجوم تلك الغموم عليكم من أجل أن لا تحزنوا على ما فاتكم من غنائم
الحرب، و ما أصابكم من الجراحات في ساحة المعركة في سبيل تحقيق الإنتصار لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا ما
أَصابَكُمْ.
وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فهو يعرف جيدا من ثبت منكم و أطاع، و كان مجاهدا واقعيا، و من هرب و عصى، و
على ذلك فليس لأحد أن يخدع نفسه، فيدعي خلاف ما صدر منه في تلك الحادثة، فإذا كنتم
من الفريق الأول بحق و صدق فاشكروه سبحانه، و إن لم تكونوا كذلك فتوبوا إليه و
استغفروه من ذنوبكم.
وساوس الجاهلية:
اتسمت الليلة التي تلت معركة «أحد» بالقلق و الاضطراب الشديدين، فقد كان
المسلمون يتوقعون أن يعود جنود قريش الفاتحون المنتصرون إلى المدينة مرة أخرى
لاجتياح البقية الباقية من القوّة الإسلامية، و القضاء على من تبقى من المقاتلين
المسلمين، و لعلّ بعض الأخبار كان قد نمّ إلى المسلمين عن اعتزام المشركين و نيتهم
في العودة إلى ساحة القتال.
و لا شكّ أنهم لو عادوا لكان المسلمون يواجهون أحلك الظروف في تلك الموقعة.