الأمانة فهم جمع من اليهود. و قد تشير الآية إلى الحالتين، إذ أنّنا نعلم أنّ
الآيات- و إن كان لبعضها سبب نزول خاص- لها طابع عامّ و سبب النزول لا يخصّصها.
التّفسير
ترسم الآية ملامح أخرى لأهل الكتاب. كان جمع من اليهود يعتقدون أنّهم لا
يكونون مسئولين عن حفظ أمانات الناس، بل لهم الحقّ في تملّك أماناتهم! كانوا
يقولون: إنّنا أهل الكتاب، و أن النبيّ و الكتاب السماوي نزلا بين ظهرانينا، لذلك
فأموال الآخرين غير محترمة عندنا. لقد تغلغلت فيهم هذه الفكرة بحيث غدت عقيدة
دينية راسخة. و هذا ما يعبّر عنه القرآن بقوله يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ قال اليهود: إنّ لنا حقّ التصرّف بأموال العرب و اغتصابها لأنّهم مشركون و لا
يتّبعون دين موسى.
و قيل أيضا إن اليهود كانت لهم مع العرب اتفاقات اقتصادية و تجارية و عند ما
أسلم العرب، امتنع اليهود عن ردّ حقوقهم، قائلين: إنكم عند عقد الاتفاق لم تكونوا
من مخالفينا. أما و قد أتخذتم دينا جديدا فقد سقط حقّكم.
من الجدير بالذكر أنّ هذه الآية تعلن أنّ أهل الكتاب لم يكونوا جميعا ينهجون
هذا الطراز من التفكير غير الإنساني، بل كان فيهم جماعة ترى أنّ من واجبها أن
تؤدّي حقّ الآخرين. و لذلك فإنّ القرآن لم يدنهم جميعا و لم يلق تبعة أخطاء بعضهم
على الجميع، و لذلك يقول وَ مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ[1] يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ
تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً.
إنّ تعبير إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً أي واقفا و مسيطرا، يشير إلى مبدأ أصيل في
[1]- بشأن معنى قنطار انظر تفسير
الآية 14 من هذه السورة.