لا يتعارض مع المفهوم الواسع الذي يشمله هذا التعبير، فقد نقل عن ابن عبّاس
أنّه قال «أنا أيضا من الراسخين في العلم» إلّا أنّ كلّ امرئ يتعرّف على أسرار
تأويل آيات القرآن بقدر سعته العلمية، فالذين يصدرون في علمهم عن علم اللّه
اللامتناهي لا شكّ أعلم بأسرار تأويل القرآن، و الآخرون يعلمون جزءا من تلك
الأسرار.
5- الراسخون في العلم يعرفون معنى المتشابهات
ثمّة نقاش هامّ يدور بين المفسّرين و العلماء حول ما إذا كانت عبارة الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ بداية جملة مستقلّة، أم أنّها معطوفة على إِلَّا اللَّهَ. و
بعبارة أخرى: هل أنّ معنى الآية و أنّه ما
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ؟ أم أنّه ما
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ
آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا؟
إنّ لكلّ فريق من مؤيّدي هذين الاتجاهين أدلّته و براهينه و شواهده. أمّا
القرائن الموجودة في الآية و الأحاديث المشهورة المنسجمة معها فتقول إنّ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ معطوفة على «اللّه»، و ذلك:
أوّلا: يستبعد كثيرا أن تكون في القرآن آيات لا يعلم أسرارها إلّا اللّه وحده.
ألم تنزل هذه الآيات لهداية البشر و تربيتهم؟ فكيف يمكن أن لا يعلم بمعانيها و
تأويلها حتّى النبيّ الذي نزلت عليه؟ هذا أشبه بمن يؤلّف كتابا لا يفهم معاني بعض
أجزائه سواه! و ثانيا: كما يقول المرحوم الطبرسي في «مجمع البيان»: لم يسبق أن
رأينا بين علماء الإسلام و المفسّرين من يمتنع عن تفسير آية بحجّة أنّها من الآيات
التي لا يعرف معناها سوى اللّه، بل كانوا جميعا يجدّون و يجتهدون لكشف أسرار
القرآن و معانيه.