بعد أن شنّ القرآن على الربا و الاحتكار و البخل حربا شعواء، وضع تعليمات
دقيقة لتنظيم الروابط التجارية و الاقتصادية، لكي تنمو رؤوس الأموال نموّا طبيعيا
دون أن تعتريها عوائق أو تنتابها خلافات و منازعات.
تضع هذه الآية التي هي أطول آيات القرآن تسعة عشر بندا من التعليمات التي
تنظّم الشؤون المالية، نذكرها على التوالي: [1] 1- إذا أقرض شخص شخصا أو عقد صفقة، بحيث كان أحدهما مدينا،
فلكي لا يقع أيّ سوء تفاهم و اختلاف في المستقبل، يجب أن يكتب بينهما العقد
بتفاصيله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا
تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ.
من الجدير بالذكر أنّه يستعمل كلمة «دين» هنا و لا يستعمل كلمة «قرض»، و ذلك
لأنّ القرض هو تبادل شيئين متشابهين كالنقود أو البضاعة التي يقترضها المقترض و
يستفيد منها، ثمّ يعيد نقودا أو بضاعة إلى المقرض مثلا بمثل. أمّا «الدين» فأوسع
معنى، فهو يشمل كلّ تعامل، مثل المصالحة و الإيجار و الشراء و البيع و أمثالها،
بحيث إنّ أحد الطرفين يصبح مدينا للطرف الآخر. و عليه فهذه الآية تشمل جميع
المعاملات التي فيها دين يبقى في ذمّة المدين، بما في ذلك القرض.
2- لكي يطمئن الطرفان على صحّة العقد و يأمنا احتمال تدخّل أحدهما فيه، فيجب
أن يكون الكاتب شخصا ثالثا وَ
لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ.
على الرغم من أنّ ظاهر الآية يدلّ على وجوب كتابة العقد، يتبيّن من الآية
[1]- و طبعا يستفاد من بعض الأحكام
ضمنا «و ليس بالدلالة المطابقية» أنه لو أضيفت تلك الأحكام إلى الأحكام التسعة عشر
المذكورة لبلغت أكثر من واحد و عشرين حكما.