و هنا يمكن
أن يطرح هذا السؤال و هو أنّ الجهاد الّذي هو أحد أركان الشّريعة المقدّسة و
الأحكام الإلهيّة كيف أصبح مكروها في طبع الإنسان مع أنّنا نعلم أنّ الأحكام
الإلهيّة امور فطريّة و تتوافق مع الفطرة، فالمفروض على الأمور المتوافقة مع
الفطرة أن تكون مقبولة و مطلوبة؟
في الجواب عن
هذا السؤال يجب الالتفات إلى هذه النقطة، و هي أنّ المسائل و الأمور الفطريّة
تتناغم و توافق مع طبع الإنسان إذا اقترنت بالمعرفة، مثلا الإنسان يطلب النّفع و
يتجنّب الضرر بفطرته، و لكنّ هذا يتحقّق في موارد أن يعرف الإنسان مصاديق النفع و
الضرر و يتجنب الضرر بالنّسبة له، فلو اشتبه عليه الأمر في تشخيص المصداق و لم
يميّز بين الموارد النافعة من الضّارة، فمن الواضح أنّ فطرته و نتيجة لهذا
الاشتباه سوف تكره الأمر النافع، و العكس صحيح.
و في مورد
الجهاد نجد أنّ الأشخاص السطحيّين لا يرون فيه سوى الضرب و الجرح و المصائب، و
لهذا قد يكون مكروها لديهم و أمّا بالنسبة إلى الأفراد الّذين ينظرون إلى أبعد من
هذا المدى المحدود فإنهم يعلمون أنّ شرف الإنسان و عظمته و افتخاره و حريّته تكمن
في الإيثار و الجهاد، و بذلك يرحبون بالجهاد و يستقبلوه بفرح و شوق، كما هو الحال
في الأشخاص الّذين لا يعرفون آثار الأدوية المرّة و المنفرّة، فهم في أوّل الأمر
يظهرون عدم رغبتهم فيها، إلّا أنّهم بعد أن يروا