سورة
الأعراف: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً.
ثمّ تبدأ
المرحلة الثّالثة، و فيها يتعدى الذكر مقام الرّبوبية ليصل إلى مقام مجموعة الصفات
الجمالية و الجلالية المجتمعة في اللّه تعالى، كما هو في الآية (41) من سورة
الأحزاب حيث يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً و على هذا الأساس يستمر هذا الذكر
ليتكامل في مراحلة ليوصل الذاكر نفسه إلى أوج الكمال. [1]
و يقول في الأمر الثّاني: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ
تَبْتِيلًا. [2] «التبتل»: من (البتل) على وزن (حتم)، و تعني في
الأصل الانقطاع، و لهذا سمّيت «مريم العذراء» عليها السّلام بالبتول، لأنّها لم
تتخذ لنفسها زوجا و سمّيت الزّهراء عليها السّلام بالبتول لأنّها كانت أفضل نساء
عصرها في السيرة و السلوك، و كانت بالغة درجة الانقطاع إلى اللّه تعالى.
فالتبتل هو
التوجه القلبي التام إلى اللّه تعالى، و الانقطاع عن غيره إليه تعالى، و الإتيان
بالأعمال الخالصة للّه، و كذا الخلوص له تعالى.
و ما
روي عن
الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله: «لا
رهبانية، و لا تبتل في الإسلام» [3]
، فهو اشارة
لما هو حاصل في أوساط المسيحيين في تركهم للدنيا، إذ أنّهم اعتزلوا الزواج
لاعتزالهم الدنيا، و اعتزلوا بذلك الوظائف الاجتماعية، و هذا ما لم يكن حاصلا عند
المسلمين، إذ أن أحدهم يعيش في أوساط المجتمع الإنساني و هو في نفس الوقت متوجّه
إلى اللّه تعالى.
[1]- تفسير الفخر الرازي، ج 30، ص 177 (مع
الاقتباس).
[2]- «التبتل»: يجب أن يكون التبتل هنا حسب
القاعدة مفعول مطلق و هو مصدر من باب (تفعل) و لكنّه جاء على وزن تفعيل، لحفظ
توافق أواخر الآيات، و يمكن أن يكون مصدر إشارة إلى أن الانقطاع إلى اللّه لا يكون
كلّه اكتسابيا، و لا يكون هبة بتمامه أيضا، بل يكون ذلك بشروط السعي و العمل الجاد
للعبد المتقي من جهة، و بلطف اللّه و عنايته من جهة اخرى.