نعم، إنّ أصحاب الجنّة سوف لا يميلون أبدا إلى مثل هذه الأعمال، لأن ميل الروح
و انجذابها إليها من خصائص أرواح أصحاب الجحيم المريضة.
إنّ هذا السؤال يشبه ما
ورد في الحديث من أن أعرابيا أتى النّبي
صلى اللَّه عليه و آله و سلّم، و قال:
هل في الجنّة إبل؟ فإنّي أحبّها حبّا جمّا، فالتفت إليه النّبي صلى اللَّه
عليه و آله و سلّم الذي كان يعلم أن في الجنّة نعما سينسى معها الأعرابي الإبل، و
أجابه بعبارة قصيرة فقال: «يا أعرابي، إن أدخلك اللَّه الجنّة أصبت فيها ما اشتهت
نفسك و لذت عينك» [1].
و بتعبير آخر: فهناك العالم الذي ينسجم فيه الإنسان مع الحقائق تماما.
و على كل حال، لما كانت قيمة النعمة في كونها خالدة، فقد طمأنت الآية أصحاب
النعيم من هذه الجهة عند ما ذكرت الصفة السادسة فقالت: وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ لئلّا يكدر التفكير في زوال هذه النعمة صفو عيشهم و لذّتهم، فيقلقوا من
المستقبل و ما يخبئه.
و هنا، من أجل أن يتّضح أن كل نعم الجنّة هذه تعطى جزاء لا اعتباطا و عبثا،
تضيف الآية: وَ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي
أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
و الطريف في الأمر أنّ الآية تطرح مجازاة الأعمال و كون الجنّة في مقابلها من
جهة، و من جهة أخرى تجعلها إرثا، و هو يستعمل عادة في الموارد التي تصل فيها
النعمة إلى الإنسان من دون أن يبذل جهدا أو سعيا في تحصيلها، و هذه إشارة إلى أنّ
أعمالكم هي أساس خلاصكم و نجاتكم، إلّا أن ما تحصلون عليه إذا ما قورن بأعمالكم
فهو كالشيء المجاني المعطى من قبل اللَّه تعالى، و كالهبة حصلتم عليها بفضله.
و يعتبر البعض هذا التعبير إشارة إلى ما قلناه سابقا من أن لكل إنسان منزلا في
الجنّة و محلا في الجحيم، فيرث أصحاب الجنّة منازل أصحاب النّار، و يرث