و على كلّ حال فإنّ هذا الأمر واحد من أكثر الأوامر و التعليمات جامعيّة و
دقّة في مجال روابط الإنسان الاجتماعية الذي تضمن الأمن في المجتمع بشكل كامل! و
سيأتي بيانه و تفصيله في فقرة البحوث.
ثمّ تذكر الآية موضوع «التجسّس» فتنهى عنه بالقول: وَ لا تَجَسَّسُوا!.
و «التجسّس» و «التحسّس» كلاهما بمعنى البحث و التقصّي، إلّا أنّ الكلمة
الأولى غالبا ما تستعمل في البحث عن الأمور غير المطلوبة، و الكلمة الثانية على
العكس حيث تستعمل في البحث عن الأمور المطلوبة أو المحبوبة! و منه ما ورد على لسان
يعقوب في وصيته ولده! يا بَنِيَّ اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ[2].
و في الحقيقة إنّ سوء الظن باعث على التجسّس، و التجسس باعث على كشف الأسرار و
ما خفي من أمور الناس، و الإسلام لا يبيح أبدا كشف أسرار الناس! و بتعبير آخر إنّ
الإسلام يريد أن يكون الناس في حياتهم الخاصة آمنين من كل الجهات، و بديهي أنه لو
سمح الإسلام لكلّ أحد أن يتجسّس على الآخرين فإنّ كرامة الناس و حيثيّاتهم تتعرض
للزوال، و تتولد من ذلك «حياة جهنمية» يحسّ فيها جميع أفراد المجتمع بالقلق و
التمزّق!.
و بالطبع فإنّ هذا الأمر لا ينافي وجود أجهزة «مخابرات» في الحكومة الإسلامية
لمواجهة المؤامرات، و لكنّ هذا لا يعني أنّ لهذه الأجهزة حق التجسّس في حياة الناس
الخاصّة «كما سنبيّن ذلك بإذن اللَّه فيما بعد».
و أخيرا فإنّ الآية تضيف في آخر هذه الأوامر و التعليمات ما هو نتيجة الأمرين
السابقين و معلولهما فتقول: وَ لا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً.
[1]- أصول الكافي، ج 2، باب التهمة و
سوء الظن، الحديث 3، و قد ورد شبيه هذا المعنى في نهج البلاغة مع شيء من التفاوت
في «الكلمات القصار، رقم 360».