نعم، إنّ
الغفلة عن ذكر اللَّه، و الغرق في لذات الدنيا، و الانهيار بزخارفها و مغرياتها
يؤدي إلى تسلط شيطان على الإنسان يكون قرينة دائما، و يلقي لجاما حول رقبته يشدّه
به، و يجرّه إليه ليذهب به حيث يشاء! من البديهي أنّه لا مجال لأن يتصور أحد معنى
الجبر في هذه الآية لأنّ هذه نتيجة الأعمال التي قام بها هؤلاء أنفسهم، و قد قلنا
مرارا: إنّ أولى نتائج أعمال الإنسان- و خاصة الانغماس في ملاذ الدنيا، و التلوث
بأنواع المعاصي- هو تكوّن حجاب على القلب و السمع و البصر يبعده عن اللَّه سبحانه،
و يسلط الشياطين عليه، و قد يستمرّ هذا الحال بالنسبة إليه حتى يغلق بوجهه باب
الرجوع، لأنّ الشياطين و الأفكار الشيطانية تكون حينئذ قد أحاطت به من كل جانب، و
هذه نتيجة عمل الإنسان نفسه، و إن كانت نسبتها إلى اللَّه سبحانه بلحاظ كونه سبب
الأسباب صحيحة أيضا، و هذا هو نفس الشيء الذي عبّر عنه في آيات القرآن الأخرى
بعنوان تزيين الشياطين فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ
أَعْمالَهُمْ[3]، أو بعنوان ولاية الشيطان
فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ. [4]
و ممّا يستحق الانتباه أن جملة نُقَيِّضْ
و بالالتفات إلى معناها اللغوي، تدل على استيلاء الشياطين، كما تدل على كونهم
أقرانا، و في الوقت نفسه فقد جاءت جملة: فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
بعدها لتؤكّد هذا المعنى، و هو أنّ الشياطين لا يفارقون مثل هؤلاء الأفراد، و لا
يبتعدون عنهم مطلقا!
[1]- «يعش» من مادة العشو، فإن عديت ب (إلى):
(عشوت إليه) فهي تعني الهداية بواسطة شيء ما بعين ضعيفة، و إن عديت ب (عن): (عشا
عنه)، و أعطت معنى الإعراض عن الشيء، و هو المراد في الآية المذكورة. لسان العرب
(عشو).
[2]- «نقيّض» من مادة قيض، و هي في الأصل بمعنى
الغشاء الذي يغطي البيضة، ثمّ جاءت بمعنى جعل شيء مستوليا على شيء آخر.