غير أنّ التّفسير الأوّل يبدو أقرب، لأنّ «التعزير» أولا: معناه في الأصل
المنع و ذبّ الأعداء و الدفاع عن «الشخص»، و لا يصحّ ذلك في شأن اللّه إلّا على
سبيل «المجاز» فحسب! و أهم من ذلك هو شأن نزول الآية، إذ أنّها نزلت بعد صلح
الحديبية و كان بعضهم يسيء التعامل مع النّبي و لا يحترم مقامه الكريم، و قد نزلت
الآية لتنبه المسلمين على ما ينبغي عليهم من الوظائف بالنسبة إلى رسول اللّه صلى
اللّه عليه و آله و سلّم.
ثمّ لا ينبغي أن ننسى أنّ الآية هي بمثابة النتيجة للآية السابقة التي وصفت
النّبي بأنّه «شاهد و مبشر و نذير» و هذا الأمر يهيء الأرضية المناسبة للآية التي
بعدها.
و في آخر آية من الآيات محل البحث إشارة قصيرة إلى مسألة «بيعة الرضوان» و قد
جاء التفصيل عنها في الآية (18) من السورة ذاتها! و توضيح ذلك هو: كما قلناه آنفا
إنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم رأى في منامه كما تقول التواريخ أنّه دخل
مع أصحابه مكّة، فتوجّه على أثر هذه الرؤيا مع ألف و أربعمائة صحابي إلى مكّة،
إلّا أنّ قريشا صمّمت على منعه و هو على مقربة من مكّة ... فتوقف النّبي صلى اللّه
عليه و آله و سلّم مع أصحابه في منطقة الحديبيّة ... و تمّ تبادل المبعوثين بين
قريش و النّبي حتى انتهى الأمر إلى معاهدة صلح الحديبيّة! و في عملية تبادل
السفراء و المبعوثين، أمر عثمان مرّة أن يبلغ أهل مكّة- من قبل النّبي- أنّه لا
يريد الحرب و لا القتال و إنّما يريد العمرة فحسب، إلّا أنّ المشركين من أهل مكّة
أوقفوا عثمان مؤقتا و كان هذا الأمر سببا أن يشيع بين المسلمين خبر قتل عثمان، و لو
كان هذا الموضوع صحيحا لكان دليلا على إعلان قريش الحرب و منازلة النّبي صلى اللّه
عليه و آله و سلّم لذلك
فإنّ النّبي قال: «لا نبارح مكاننا
«الحديبيّة» حتى نأخذ البيعة من قومنا»،
فطلب تجديد البيعة ... فاجتمع المسلمون و بايعوا النّبي صلى اللّه عليه و آله
و سلّم تحت شجرة هناك على أن لا يتركوا النبي وراءهم ظهريّا و أن يقاتلوا مع
النّبي أعداءه و يذبّوا عنه ما دام فيهم طاقة على ذلك.