و قال البعض: إنّهم لم يلتفتوا إلى أنّ هذه السحب السوداء هي رياح قوية مغبرة،
إلّا عند ما وصلت قريبا من ديارهم، و رفعت دوابهم و رعاتهم- الذين كانوا في
الصحاري المحيطة بهم- من الأرض و رمتهم في الهواء، و رأوا أنّها تقتلع الخيام من
مكانها و تلقيها في الهواء حتى كانت تبدو كالجواد! عند ما رأوا ذلك المشهد، فروا و
التجأوا إلى دورهم و أغلقوا الأبواب عليهم، إلّا أنّ الأعاصير اقتلعت الأبواب و
ألقتها على الأرض- أو حملتها معها- و رمت أجساد هؤلاء بالأحقاف، و هي الرمال
المتحركة.
و جاء في الآية (7) من سورة الحاقة:
سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ و هكذا بقي هؤلاء القوم يئنّون تحت تل من الرمال و التراب، ثمّ أزالت الرياح
القوية التراب فظهرت أبدانهم مرّة أخرى، فحملتها و ألقتها في البحر [1].
و تشير الآية في النهاية إلى حقيقة، و هي أنّ هذا المصير غير مختص بهؤلاء
القوم الضالين، بل: كَذلِكَ نَجْزِي
الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ.
و هذا إنذار و تحذير لكلّ المجرمين العصاة، و الكافرين المعاندين الأنانيين،
بأنّكم إن سلكتم هذا الطريق فسوف لن يكون مصيركم أحسن حالا من هؤلاء، فإنّه تعالى
قد يأمر الرياح بأن تهلككم، ذات الرياح التي يعبر القرآن الكريم بأنّها:
بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ لأنّ الرياح تتصف بصفة الأمر الإلهي المطلوب منها.
و قد يبدل الأرض التي هي مهد استقرار الإنسان و اطمئنانه، إلى قبر له بزلزلة
شديدة.
و قد يبدّل المطر الذي هو أساس حياة كلّ الكائنات الحية، إلى سيول جارفة تغرق
كل شيء.
نعم، إنّه عزّ و جلّ يجعل جنود الحياة جنود موت و فناء، و كم هو مؤلم الموت
[1]- تفسير الفخر الرازي، المجلد 28،
صفحة 28، ذيل الآيات مورد البحث، و جاء هذا المعنى أيضا في تفسير القرطبي، المجلد
9، صفحة 6026.