و الحق أنّ حقيقة العرض هي رفع الموانع بين شيئين حتى يتقابلا و يكونا وجها
لوجه، و كذا الحال بالنسبة إلى الكافرين و النّار، فإنّ الحواجز ترفع من بينهما،
فيمكن القول في هذه الصورة: إنّ الكافرين يعرضون على النّار، كما تعرض عليهم، و
كلا التعبيرين صحيح.
و على أية حال، فلا حاجة لأن نعتبر العرض بمعنى الدخول في النّار كما ذكره
«الطبرسي» في مجمع البيان، بل إنّ هذا العرض بحدّ ذاته نوع من العذاب الأليم
المرعب، حيث يرى الكافرون بأعينهم كلّ أقسام جهنّم من الخارج قبل أن يردوها، و
ليشاهدوا مصيرهم المشؤوم و يتعذّبوا و يتألموا له.
2- إنّ جملة: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ تعني التمتع بلذائذ الدنيا، و التعبير ب «أذهبتم» لأنّ هذه
اللذائذ و النعم تفنى بالتمتع بها و استهلاكها.
و من المسلّم أنّ التمتع بمواهب اللّه و نعمه في هذه الدنيا ليس أمرا مذموما
قبيحا، بل المذموم هو الغرق في اللذات المادية، و نسيان ذكر اللّه و القيامة، أو
التمتع بها بصورة غير مشروعة و التلوث بالمعاصي عن طريقها، و غصب حقوق الآخرين
فيما يتعلق بها.
و ممّا يلفت الانتباه أنّ هذا التعبير لم يرد إلّا في هذه الآية من القرآن
الكريم، و هو إشارة إلى أنّ الإنسان يعزب أحيانا عن لذات الدنيا و يعرض عنها، أو
أنّه لا يأخذ منها إلّا ما يقوّم به صلبه، و يتقوّى به على القيام بالواجبات
الإلهية، و كأنّه في هذه الصورة قد ادخر هذه الطيبات لآخرته.
غير أنّ الكثيرين يتكالبون على هذه التمتعات الدنيوية كالحيوانات و لا يحدّهم
شيء في الالتذاذ بهذه الطيبات و افنائها جميعا، و لا يكتفون بعدم ادخار شيء
لآخرتهم، بل يحملون معهم أحمالا من الأوزار، و لهؤلاء يقول القرآن: