هذه الآيات في الحقيقة جواب آخر على كلام الدهريين، الذين كانوا ينكرون المبدأ
و المعاد، و قد أشير إلى كلامهم، في الآيات السابقة، فتقول الآية أوّلا: قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ.
لم يكن هؤلاء يعتقدون باللّه و لا باليوم الآخر، و محتوى هذه الآية استدلال
عليهما معا، حيث أكّدت على مسألة الحياة الأولى. و بتعبير آخر، فإنّ هؤلاء لا
يستطيعون أن ينكروا أصل وجود الحياة الأولى، و نشأة الموجودات الحية من موجودات
ميتة، و هذا يشكل من جهة دليلا على وجود عقل و علم كلي شامل، إذ هل يمكن أن توجد
الحياة على هذه الهيئة المدهشة، و التنظيم الدقيق و الأسرار العجيبة المعقدة، و
الصور المتعددة، و التي أذهلت عقول كلّ العلماء، من دون أن يكون لها خالق قادر
عالم؟
و لهذا نرى آيات القرآن المختلفة تؤكّد على مسألة الحياة كأحد آيات التوحيد و
أدلته البينة.
و من جهة أخرى، تقول لهم: كيف يكون القادر على إنشاء الحياة الأولى عاجزا عن
إعادتها ثانيا؟
أمّا التعبير ب لا رَيْبَ فِيهِ حول القيامة، و الذي يخبر عن حتمية وقوعها و حدوثها، لا عن
إمكانها، فهو إشارة إلى قانون العدل الإلهي، حيث لم يصل كلّ صاحب حق الى حقّه في
هذه الحياة الدنيا، و لم يلاق كلّ المعتدين و الظالمين جزاءهم، و لو لا محكمة
القيامة العادلة، فإن العدالة الإلهية لا مفهوم لها حينئذ.
و لما كان كثير من الناس لا يتأمل هذه الدلائل و لا يدقق النظر فيها، فإنّ
الآية تضيف في النهاية: وَ لكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
إن أحد أسماء يوم القيامة المار ذكره في هذه الآية هو: يَوْمَ الْجَمْعِ لأنّ
جميع