و لماذا تعبدون كائنات هي نفسها خاضعة لقوانين الخلقة و نظام الوجود، و لها
شروق و غروب و تخضع التغييرات؟
إنّ السجود لا ينبغي إلّا للّه خالق هذه الموجودات! إنّ خالق هذه الموجودات و
مودع النظم و القوانين فيها لا يغرب و لا يأفل و لا تمتد يد التغيير إلى محضر
كبريائه عزّ و جلّ.
و بهذا الشكل تنفي الآيات أحد الفروع الواسعة لانتشار الشرك و عبادة الأصنام
المتمثلة في عبادة الكائنات الطبيعية النافعة، فينبغي للجميع أن يبحثوا عن علة
العلل و أن لا يتوقفوا عند المعلول، نعم ينبغي البحث عن خالق هذه الموجودات! إنّ
هذه الآية تستدل- في الواقع- على وجود الخالق الواحد عن طريق النظام الواحد الذي
يتحكم بالشمس و القمر و الليل و النهار، و إن حاميته تعالى على هذه الموجودات
تعتبر دليلا على وجوب عبادته.
قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فيه إشارة إلى ملاحظة مؤدّاها: إذا كنتم تريدون عبادة
الخالق فعليكم إلغاء غيره من الشركاء في العبادة، لأنّ عبادته لا تكون إلى جانب
عبادة غيره.
و إذا لم يؤثر هذا الدليل المنطقي في أفكار هؤلاء، و استمروا مع ذلك في عبادة
الأصنام و الموجودات الأخرى، و نسوا المعبود الحقيقي، فاللّه تعالى يخاطبهم بعد
ذلك بقوله: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ
رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ[1].
فليس مهما أن لا تسجد مجموعة من الجهلة و الغافلين حيال جبروت اللّه
[1]- «لا يسأمون»: من كلمة (السئامة) و
تعني التعب من الاستمرار في العمل أو في موضوع معين.
ضمنا فإنّ جملة (فإن استكبروا) جملة شرطية جزاؤها محذوف، و التقدير هو: فإن
استكبروا عن عبادة اللّه و توحيده فإن ذلك لا يضرّه شيئا».