في طيات هذه الآيات المبينة، و التعابير القرآنية القصيرة البليغة ذات المعاني
الكبيرة، ثمّة ملاحظات دقيقة و لطيفة نقف عليها من خلال النقاط الآتية:
1- هل نزول الملائكة على المؤمنين المستقيمين يتمّ أثناء الموت و الانتقال من
هذا العالم إلى العالم الآخر، كما يحتمل ذلك بعض المفسّرين، أم أن نزولهم يكون في
ثلاثة مواطن، عند (الموت) و عند (دخول القبر) و عند (الإحياء و البعث و النشور)،
أو إنّ هذه البشائر تكون دائمة و مستمرة، و تتمّ بواسطة الإلهام المعنوي، حيث
تستقر الحقائق في أعماق المؤمنين بالرغم من أنّها في لحظة الموت و لحظة الحشر تكون
بشائر الملائكة أجلى و أوضح؟
يبدو أن المعنى الأخير أنسب، و ذلك لعدم وجود قيد أو شرط في الآية.
و يؤيد ذلك أنّ الملائكة تقول في البشارة الرّابعة: نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي
الْآخِرَةِ و هذا دليل على أنّ المؤمنين من ذوي الاستقامة
يسمعون هذا الكلام من الملائكة في الدنيا عند ما يكونون أحياء، إلّا أنّ ذلك لا
يكون باللسان و اللفظ، بل يسمعون ذلك بأذان قلوبهم بما يشعرون به من هدوء و
استقرار و سكينة و إحساس كبير بالراحة عند المشاكل و الصعاب.
صحيح أنّ بعض الروايات قيدت نزول الملائكة و حضورهم عند الموت، إلّا أن ثمّة
روايات اخرى إشارات إلى معنى أوسع يشمل الحياة أيضا [1].
و يمكن أن نستنتج من مجموع الروايات أنّ ذكر خصوص الموت هو بعنوان المصداق
لهذا المفهوم الواسع، و نعرف هنا أنّ التفاسير الواردة في الروايات غالبا ما توضح
المصاديق.
إنّ بشائر الملائكة ستشع في أرواح المؤمنين و أعماق ذوي الاستقامة حتى تهبهم
القوّة و القدرة على مواجهة أعاصير الحياة و مشقاتها، و تثبّت أقدامهم من
[1]- يمكن ملاحظة ذلك في نور الثقلين،
المجلد الرابع، الصفحات 546 و 547 الروايات رقم: 38- 40- 45- 46.