حيث يقول تعالى: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ[1] أيّ إنّهم
فرحوا بما عندهم من المعلومات و الأخبار، و صرفوا وجوههم عن الأنبياء و أدلتهم. و
كان هذا الأمر سببا لأن ينزل بهم العذاب الالهي: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
و ذكر المفسّرون احتمالات عديدة عن حقيقة العلم الذي كان عندهم، و الذي اغتروا
به و شعروا معه بعدم الحاجة إلى تعليمات الأنبياء، و الاحتمالات هذه هي:
أوّلا: لقد كانوا يظنون أنّ الشبهات الواهية و السفسطة الفارغة هي العلم، و
يعتمدون عليها. لقد ذكر القرآن الكريم أمثلة متعدّدة لهذا الاحتمال، كما في قوله
تعالى: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ[2] و الآية حكاية
على لسانهم.
و ممّا حكاه القرآن عنهم أيضا، قوله تعالى: أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ
جَدِيدٍ[3].
و قولهم في الآية (24) من سورة الجاثية: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ
ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ.
و هناك أمثلة اخرى لإعاءاتهم.
ثانيا: المقصود بها العلوم المرتبطة بالدنيا و تدبير أمور الحياة، كما كان
يدّعي «قارون» مثلا، كما يحكي عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي[4].
ثالثا: المقصود بها العلوم ذات الأدلة العقلية و الفلسفية، حث كان يعتقد البعض
ممن يمتلك هذه العلوم أنّ لا حاجة له للأنبياء، و بالتالي فهو لا ينصاع لنبواتهم
[1]- احتمل البعض أن يعود الضمير في
(جاءتهم) إلى الأنبياء، لذا يكون المقصود بالعلوم علوم الأنبياء، بينما المقصود من
(فرحوا) هو ضحك و استهزاء الكفّار بعلوم الأنبياء، لكن هذا التّفسير احتماله بعيد.