لقد استخلص مؤمن آل فرعون من خلال طرحه الآنف الذكر في أنّ الحياة الدنيا و إن
كانت متاعا لا يغني شيئا عن الحياة الأخرى، إلّا أنّه يمكن أن يكون وسيلة للجزاء
اللامتناهي هي و العطايا التي تصدر عن المطلق جلّ و علا. إذن هل هناك تجارة أربح
من هذا؟
كما ينبغي أن نقول: إنّ عبارة «مثلها» تشير إلى أنّ العقاب في العالم الآخر
يشبه نفس العمل الذي قام به الإنسان في هذه الدنيا، متشابهة كاملة بكل ما للكلمة
من دلالة و معنى.
أمّا تعبير «غير حساب» فيمكن أن يكون إشارة إلى حساب العطايا يختص بالاشخاص من
ذوي المواهب المحدودة، أمّا المطلق (جلّ و علا) الذي لا تنقص خزائنه مهما بذل
للآخرين (لأن كلّ ما يؤخذ من اللانهاية يبقى بلا نهاية) لذلك فهو عطاء لا يحتاج
إلى حساب.
و بقيت مسألة بحاجة إلى جواب، و هي: هل ثمّة تعارض بين هذه الآية و ما جاء في
الآية (160) من سورة الأنعام، حيث قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ
جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ.
في الجواب على هذا التساؤل نقول: إنّ «عشر أمثالها» إشارة للحد الأدنى من
العطاء الإلهي، إذ هناك الجزاء الذي يصل إلى (700) مرّة و أكثر، ثمّ قد يصل العطاء
الإلهي إلى مستوى الجزاء ب «غير حساب» و هو ممّا لا يعلم حدّه و لا يمكن تصوره.