بعض المفسّرين أوردوا أسبابا متعددة لنزول الآيات آنفة الذكر، و يحتمل أن تكون
جميعها من قبيل التطبيق و ليس من قبيل أسباب النّزول.
و منها قصة (وحشي) الذي ارتكب أفظع جريمة في ساحة معركة أحد، عند ما قتل حمزة
عمّ النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم غدرا، و قد كان حمزة قائدا شجاعا كرّس
كلّ حياته في سبيل الدفاع عن النّبي الكريم. و بعبارة اخرى: إنّه كان درعا للرسول
صلّى اللّه عليه و اله و سلّم. فبعد أن بلغ الإسلام أوج عظمته و انتصر المسلمون
على أعدائهم، أراد وحشي أن يدخل الدين الإسلامي، و لكنّه كان خائفا من عدم قبول
إسلامه، و لما أسلم
قال له النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: «أ وحشي؟» قال: نعم، قال: «أخبرني كيف قتلت عميّ» فأخبره، فبكى صلّى اللّه
عليه و اله و سلّم، و قال: «غيب وجهك عنّي فإنّي لا أستطيع النظر إليك»
فلحق بالشام فمات في الخمر [1]. و هنا تساءل أحدهم: هل أن هذه الآية تخص وحشيا فقط أم
تشمل كلّ المسلمين،
فأجاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: إنّها تشمل الجميع.
و منها قصة النباش-
قال: دخل معاذ بن جبل على رسول اللّه باكيا فسلّم
فردّ عليه السّلام ثمّ قال: «ما يبكيك، يا معاذ؟» فقال: يا رسول اللّه، إنّ بالباب
شابا طريّ الجسد نقي اللون حسن الصورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد
الدخول عليك.
فقال النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: «ادخل عليّ الشاب يا معاذ» فأدخله
عليه فسلم فردّ عليه السّلام قال: «ما يبكيك يا شاب؟» قال: كيف لا أبكي و قد ركبت
ذنوبا، إن أخذني اللّه عزّ و جلّ ببعضها أدخلني نار جهنم؟ و لا أراني إلّا سيأخذني
بها و لا يغفر لي أبدا.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: «هل أشركت باللّه شيئا؟».
[1]- سفينة البحار، المجلد 2، الصفحة
637، مادة (وحش) و تفسير الفخر الرازي، المجلد 27، الصفحة 4، و تفسير نور الثقلين،
المجلد 4، الصفحة 493.