و بالرغم من أنّ الآيات هنا ذكرت بصورة مطلقة، و لكن من المعلوم أنّ المراد
منها غالبا الآيات التي تدعو إلى التوحيد و محاربة الشرك.
2- 3- علامتهم الثّانية و الثالثة تسبيح اللّه و حمده، فهم ينزّهون اللّه
تعالى عن النقائص من جهة، و من جهة اخرى فإنّهم يحمدونه و يثنون عليه لصفات كماله
و جماله.
4- و الصفة الاخرى لهؤلاء هي التواضع و ترك كلّ أنواع التكبّر، لأنّ الكبر و
الغرور أوّل درجات الكفر و الجحود، و التواضع أمام الحقّ و الحقيقة أولى خطوات
الإيمان! إنّ الذين يسيرون في طريق الكبر و العجب لا يسجدون للّه، و لا يسبّحونه و
لا يحمدونه، و لا يعترفون بحقوق عباده! إنّ لهؤلاء صنما عظيما، و هو أنفسهم! ثمّ
أشارت الآية الثّانية إلى أوصاف هؤلاء الاخرى، فقالت: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ[1] فيقومون في
الليل، و يتّجهون إلى ربّهم و محبوبهم و يشرعون بمناجاته و عبادته.
نعم .. إنّ هؤلاء يستيقظون و يحيون قدرا من الليل في حين أنّ عيون الغافلين
تغظّ في نوم عميق، و حينما تتعطّل برامج الحياة العادية، و تقلّ المشاغل الفكرية
إلى أدنى مستوى، و يعمّ الهدوء و الظلام كلّ الأرجاء، و يقلّ خطر التلوّث بالرياء
في العبادة، و الخلاصة: عند توفّر أفضل الظروف لحضور القلب، فإنّهم يتّجهون بكلّ
وجودهم إلى معبودهم، و يطأطئون رؤوسهم عند أعتاب معشوقهم، و يخبرونه بما في
قلوبهم، فهم أحياء بذكره، و كؤوس قلوبهم طافحة بحبّه و عشقه.
ثمّ تضيف: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً.
[1] «تتجافى» من مادّة «جفا»، و هي في
الأصل بمعنى القطع و الحمل و الإبعاد، و (الجنوب) جمع جنب، و هو الجانب، و
(المضاجع) جمع مضجع، و هو محل النوم، و إبعاد الجانب عن محلّ النوم كناية عن
النهوض من النوم و التوجّه إلى عبادة اللّه في جوف الليل.