كانت هذه المرأة تعيش في جهاز ملك هو أحد أكبر الملوك ظلماً، ورغم أنها كانت
تعيش في ظل نِعم ورفاه عالي إلَّاأنَّها وجدت نفسها في مفترق طريقين، هما: الدنيا
والآخرة، فإمَّا أن تختار العيش في دنيا سعيدة مرفّهة، وإمَّا العيش بقرب اللَّه
ودخول الجنة.
اختارت القرب الإلهي ورجحته على الحياة الدنيا، واللَّه جعلها في أفضل الجنان
عنده، وعَدَّ حياتها نموذجاً ومثلًا لكلِّ النساء بل حتى الرجال.
رغم أنَّ آسية بنت مزاحم كانت زوجة فرعون الظالم وقريبة منه إلَّا أنها اختارت
ضابطة الإيمان باللَّه، وكونها زوجة جبار كفرعون لم يثنها عن اتباع الحق، ولم يجعل
منها أمرأة تعيسة، كما لم يؤثّر القرب بالعباد الصالحين في زوجتي نوح عليه السلام
ولوط عليه السلام، ولم ينقذهما من عذاب يوم القيامة، بل إحداهما غرقت كابنها،
والاخرى دفنت تحت تلٍّ من الأحجار الإلهية؛ وهذا كله لأجل أن الانتساب والعلاقة
لا دور لهما عند اللَّه ولا يترجحان على الضوابط، فهي الحاكمة في جهاز الحكمة
الإلهية.
حياة آسية بعد إيمانها بربّ موسى اسوة وقدوة في كل لحظاتها، وهذه الآية تشير
إلى بعضٍ من تلك اللحظات التي عاشتها تلك المرأة العظيمة، وهي لحظات كونها ترزخ
تحت أشدّ الضغوط ومختلف أساليب التعذيب، فضرب اللَّه مثلًا بهذه اللحظات.
أصبحت آسية اسطورة في الصبر والمقاومة، وفي أحلك اللحظات وأشدها رفعت يديها
إلى السماء طالبة من اللَّه تعالى ثلاث طلبات:
الاولى: «رَبِّ ابنِ لي عِنْدَك بَيْتاً في
الجنَّة».
كان القرب إلى اللَّه تعالى يشكّل أول طلبة طلبتها هذه المرأة، وهو شيء أرفع
من الجنة، ولا يمكن قياسه بالجنة.