كما تقدَّم أنَّه كان لهذا الثري صاحب البستان والثروة والسلطة أصدقاء كثيرون،
وكان يتفاخر بهم، لكنهم تفرّقوا وابتعدوا عنه عندما فقر وواجه الخسارة وأصبح
مُداناً، فما أعانوه على مشكلته، كما أنَّه بنفسه ما استطاع جبران ما تحملّه من
خسائر.
يا ترى، ما سبب عدم إعانة إصدقائه له؟
سبب ذلك واضح، فإنهم لم يكونوا أصدقاءً له بل لثروته وسلطته، فكانوا بمثابة
الذباب الذي يحوم حول السكريات.
إنَّ أصدقاءً من هذا القبيل تنتهي صداقتهم بنهاية سلطة الانسان وثروته، فبعض
منهم أصدقاء لسلطة الانسان وتنتهي صداقته بانتهاء السلطة، وبعضهم أصدقاء لجمال
الانسان وتنتهي صداقته بانتهاء الجمال، وبعضهم أصدقاء لثروة الانسان وتنتهي صداقته
بانتهاء الثروة، وبعضهم أصدقاء للمقام، وتنتهي صداقته بانتهاء المقام وبلوغه نهاية
الخط.
أصدقاء الثري الذين ورد ذكرهم في آيات المثل كانوا من هذا القبيل، أي أنهم
كانوا أصدقاء لثروة ذلك الانسان وسلطته ولم يكونوا أصدقاءً له بالذات، مضافاً إلى
أنَّهم لم يكونوا أصدقاء حقيقيين عندما كان ثريّاً بل كانوا بلاءً عليه؛ لأن
أشخاصاً من هذا القبيل وبأهداف مادية دنيوية يظهرون له- بتملّقهم- الزين شيناً
والشين زيناً، أي أنَّهم لم يكونوا أصدقاءً حقيقيين أبداً.
سؤال: من هم الأصدقاء الحقيقيون؟ وعلى مَن يُطلق
عنوان الصديق الحقيقي؟
الجواب: ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار معايير خالدة
لانتخاب الصديق، لكي تبقى صداقته وتدوم. علينا اعتبار محبيّ العلم والإيمان
والتقوى وما شابه ذلك أصدقاء لنا؛ لأنَّ محبة هؤلاء لا تتزلزل بالحوادث
والمتغيّرات، والمحبة تستمر مادام التقوى والايمان والعلم والاعتقاد بالآخرة
موجوداً.