و الجهاد في
سبيل اللَّه لا يقارن مع سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام لأن الإيمان و الجهاد
بلا شكّ أعلى و أفضل من السقاية و العمارة.
«وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ» و لعلّ هذا التعبير يشير إلى أن المقارنة المذكورة ليست فقط غير
صحيحة بل هي نوع من الظلم للشخص الذي سبق الناس في الإيمان باللَّه و اليوم الآخر
و الجهاد في سبيله.
«الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ
وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ» فهؤلاء الذين تحركوا بهدف حفظ
إيمانهم و نشر الدين و الرسالة السماوية من موقع الهجرة و ضحّوا بأموالهم و أنفسهم
في سبيل اللَّه و إعلاء كلمته هم أفضل عند اللَّه و أعظم درجة.
و بعد أن
يردّ اللَّه تعالى في الآية الاولى أصل المقارنة المذكورة يعبّر عنها بأنها نوع من
الظلم و يصرّح في هذه الآية بأن الإيمان و الهجرة و الجهاد أهم و أعظم من السقاية
و العمارة.
«يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ
رِضْوانٍ» فبعد أن يردّ على المقارنة المذكورة و يصرح بأن الإيمان و الجهاد و
الهجرة أفضل و أعظم يشير في الآيتين التاليتين إلى عاقبة أهل الإيمان و الجهاد و
الهجرة و يبشّرهم بما يلي:
1- إنّ
اللَّه تعالى يبشّر هؤلاء بأنهم مشمولين برحمته و مرتبة القرب منه.
2- البشارة
الاخرى هي أن اللَّه تعالى قد رضي عنهم، و ما أعظم النعمة في أن يعلم الإنسان بأن
محبوبه و معبوده راضٍ عنه!
3-
«وَ جَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ* خالِدِينَ فِيها أَبَداً»
و ليست البشارة بجنّة واحدة بل ورد التعبير بجنّات و نِعم و مواهب خالدة في ذلك
العالم، و معلوم أن أحد معايب النِّعم الدنيوية هي أنها معرّضة للزوال و الفناء و
لكنّ النِّعم و المواهب الاخروية خالدة و باقية أبداً.
«أَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»
فهل أن هذه الجملة بشارة إلى نعمة اخرى قد أعدّها اللَّه تعالى لأهل الإيمان و
الجهاد و الهجرة مضافاً إلى رحمة اللَّه و رضوانه و الجنّات الخالدة، و هي النعمة
التي لا يمكن للإنسان أن يتصورها و لا يقدر على وصفها و لذلك أجملت الآية بيانها،
أو أنها إشارة إلى النِّعم و المواهب المذكورة آنفاً و هي تأكيد لها.